العبد إذا قوي يقينه علم علم يقين أن أوقاته هذه التي وكل تربيته إليها وجعل سبب نمائه وحياته منها وهي مكررة عليه في البرزخ ومردودة إليه يوم القيامة ومعادة عليه في الجنة إن دخلها ليس يجازى هناك إلا بمقدار ما أعطي من المعاملة ههنا، ولا يعطي ثم إلا بقدر ما وفق ههنا، لا يُسأل إلا عن أوقاته، ولا يحاسب إلا بساعاته، ولا يجازى إلا عليها ولا ترد عليه أوقات غيره، كما لا يعاد هو في صورة غيره ولا يعطى جزاء سواه كما لم يعامل ههنا معاملة سواه ولكن الله يُبْدئ ويعيد، فيمن ذلك قوله تعالى:(كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ) الأعراف: ٩٢ وقال تعالى: (أفَنَجْعَلُ المُسْلِمِينَ كَالمُجرِمِينَ) القلم٣٥ (كِتَابٌ أنْزَلْنَاهُ إلَيْكَ مُبَاْرَكٌ لِيَدَّبروا آيَاتِهِ) ص: ٢٩ من تدبره: (أمْ نَجْعَلُ الَّذينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالمُفْسِدِينَ فِي الأَرْضِ أمْ نَجْعَلُ المُتَّقِيْنَ كَالفُجَّارِ) ص: ٢٨ أي تدبروا آياته هل ترون جزاء هؤلاء لوصف هؤلاء أم هل تجدون وصف هؤلاء له جزاء أو لا ومثله قوله تعالى: (لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلاَ أَمَاِنيِّ أهْلِ الْكِتَابِ) النساء: ١٢٣ فنفى أمانيهم بليس وأنبت حكمه بلكن وهي مضمرة في الكلام المعني لكن من يعمل سوءاً يجزيه، وفسره رسول اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال المؤمن يجزى بسيئته في الدنيا من المصائب والجوع والعري، والمنافق تبقى ذنوبه عليه حتى يوفي يوم القيامة كأنه حمار يجازى بها في الآخرة، وكان الحسن يقول: عباد اللَّه، اتقوا هذه الأماني، فإنها أودية النوكى يحلون فيها، واللَّه ما أتى عبد اللَّه بأمنيته خيراً من دنياه ولا آخرته، وقال بعض العلماء: كلما قل العقل كثرت الأماني، وكتب بعض السلف إلى بعض إخوانه من أبناء الد نيا يعظه: أخبرني عن هذا الذي تكدح فيه وتحرص عليه من أمر الدنيا هل بلغت فيه ما تريد وأدركت ما تتمنى؟ فقال: لا واللَّه، فقال: أرأيتك هذا الذي أنت حريص عليه لم تنل منه ما تريد فكيف تنال من الآخرة وقد أعرضت عنها وصرفت عنها فما أراك تضرب إلا في حديد بارد، وقال بعض العلماء: من ظن أنه يدخل الجنة بغير عمل فهو متمن ومن قال أدخلها بعمل فهو متعن، وقال بعضهم: الأماني تنقص العقل، وفي الخبر: ليس الإيمان بالتحلَّي ولا بالتمني ولكن ما