وقلوبهم، كان أحدهم إذا ذكر عنده غيره بسوء وقف وتفكّر في شأن نفسه فإن كان فيه مثل ذلك السوء قطعه الحياء عن الكلام في أخيه فسكت وإن لم يكن ذلك فيه حمد الله عزّ وجلّ ورحم أخاه فشغله الشكر لمولاه إذ عافاه، فهذه كانت سيرة السلف، ويقال في بعض كتب الله تعالى: عجباً لمن قيل فيه الخير وليس فيه كيف يفرح ولمن قيل فيه الشر وهو فيه كيف يغضب، وأعجب من ذلك من أحبّ نفسه على اليقين وأبغض الناس على الشك، ومن طريقة السلف مما كانوا يشدّدون فيه حب المدح وطلب الحمد حتى قال بعضهم: من أحب المدح وكره الذم فهو منافق، وقال عمر رضي الله عنه لرجل: من سيّد قومك؟ قال: أنا، قال: لو كنت كذلك لم تقل، وكتب محمد بن كعب فانتسب فقال القرظي قيل له: قل الأنصاري قال أكره أن أمنّ على الله عزّ وجلّ بما لم أفعل، وقال الثوري رضي اللّّه عنه: إذا قيل لك بئس الرجل أنت تغضب فأنت بئس الرجل، وقال آخر: لا يزال فيك خير ما لم ترَ أن فيك خيراً، وسئل بعض العلماء: ما علامة النفاق؟ قال: الذي إذا مدح بما ليس فيه ارتاح لذلك قلبه، وكان سفيان رضي اللّّه عنه يقول: إذا رأيت الرجل يحب أن يحبه الناس كلهم ويكره أن يذكره أحد بسوء فاعلم أنه منافق فهذا داخل في وصف الله تعالى المنافقين بقوله تعالى: (سَتَجِدُونَ آخَرينَ يُريدُونَ أنْ يَأمَنُوكُمْ وَيَأمَنُوا قَوْمَهُم) النساء: ٩١، فينبغي لمن أمن في أهل السنة أن يخاف في أهل البدع وهذا مما دخل على القرّاء الذي ذمّهم العلماء مداخل الليل في النهار ولعل مغروراً جاهلاً يتأوّل الحديث الذي جاء إذا مدح المؤمن ربا الإيمان في قلبه على غير تأويله ويحمله على غير محمله فإنما قال ربا الإيمان ولم يقل ربا المؤمن فربّو الإيمان زيادته وزيادته بالخوف والإشفاق من المكر به والاستدراج وفيه طريق للعارفين بأن يعلو الإيمان العلي إلى المومن الأعلى فيفرح بذلك لمولاه ويضيفه إلى سيده الذي به تولاّه فيردّ الصنعة إلى صانعها ويشهد في الفطرة فاطرها فيكون ذلك مدحاً للصانع ووصفاً للفاطر لا ينظر إلى نفسه لا يعجب بوصفه وهذه طرقات قد درست وانقطع سلاكها إلا من رحم ربك.
[باب تفضيل علم الإيمان واليقين]
[على سائر العلوم والتحذير من الزلل فيه ووبيان ما ذكرناه:]
اعلم أن كلّ علم من العلوم قد يتأتى حفظه ونشره لمنافق أو مبتدع أو مشرك إذا رغب فيه وحرص عليه لأنه نتيجة الذهن وثمرة العقل إلا علم الإيمان واليقين فإنه لا يتأتى ظهور مشاهدته والكلام في حقائقه إلا لمؤمن موقن من قبل أن ذلك تقرير مزيد الإيمان وحقيقة العلم والإيمان، فهو آيات الله تعالى وعهده عن مكاشفة قدرته وعظمته