للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يسلم من الدنيا إلاّ المتحققون بالعلم واليقين؛ وهم المتقللون من الدنيا، وقد قال الله تعالى: (وَتَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ) البقرة: ٢٦٥، أي يقيناً، يعني أنهم يتثبتون في صدقاتهم أن لا يضعوها إلاّ في يقين يستروح إليه القلب وتطمئن به النفس، وقد كان بعض العلماء يؤثر بالعطاء فقراء الصوفية دون غيرهم فقيل له: لو عممت بمعروفك جميع الفقراء؟ فقال: لا أفعل بل أؤثر هؤلاء على غيرهم، قيل: ولم؟ قال: لأن هؤلاء همهم الله سبحانه وتعالى، فإذا طرقتهم فاقة تشتت همّ أحدهم فلأن أردّ همة واحد إلى الله تعالى أحبّ إليّ من أن أعطي ألفاً من غيرهم ممن همّه الدنيا، فذكر هذا الكلام لأبي القاسم الجنيد فاستحسنه، وقال: هذا كلام وليّ من أولياء الله تعالى، ثم قال: ما سمعت منذ زمان كلاماً أحسن من هذا، وبلغني أنّ هذا الرجل اختل حاله في أمر الدنيا حتى همّ بترك الحانوت فوجه إليه الجنيد بمال كان صرف إليه فقال: اجعل هذا في بضاعتك ولا تترك الحانوت، فإنّ التجارة لا تضرّ مثلك، ويقال: إنّ هذا الرجل كان بقّالاً ولم يكن يأخذ من الفقراء ثمن ما يبتاعون منه، وأما ابن المبارك رحمه الله تعالى فإنه كان يجعل معروفه في أهل العلم خاصة، فقيل له: لو عممت به غيرهم، فقال: إني لا أعرف بعد مقام النبوة أفضل من مقام العلماء، فإذا اشتغل قلب العالم بالحاجة أو العيلة لم يتفرغ للعلم، ولا يقبل على تعليم الناس، فرأيت أن أعينهم وأكفيهم حاجاتهم لتفرغ قلوبهم للعلم، وينشطوا لتعليم الناس؛ هذا طريق السلف الصالح، والتوفيق من اللّّه تعالى للعبد في وضع صدقته في الأفضل كالتوفيق منه إطعام الحلال الذي في غيبه يوفقه لأوليائه ويستخرجه لهم من علمه كيف شاء بقدرته.

شرح رابع ما بني الإسلام عليه: وهو

الصيام

[ذكر فرائض الصيام]

اعتقاد الصوم إيجاباً لله تعالى عليه وقربة منه إليه، وإخلاصاً به له، وسقوط فرض عنه، وأن يجتنب الأكل والشرب والجماع بعد طلوع الفجر الثاني، وأن يتم الصيام إلى سقوط قرص الشمس، وأن لا ينوي في تضاعيف النهار الخروج من الصوم.

[ذكر فضائل الصوم ووصف الصائمين]

صوم الخصوص حفظ الجوارح الست: غضّ البصر عن الاتساع في النظر، وصون السمع عن الإصغاء إلى محرم، أو الوزر، أو القعود، مع أهل الباطل، وحفظ اللسان عن الخوض فيما لا يعني جملة مما إن كتب عنه كان عليه وإن حفظ له لم يكن له، ومراعاة القلب بعكوف الهمّ عليه، وقطع الخواطر والأفكار التي كفّ عن فعلها، وترك التمني الذي لا يجدي، وكفّ اليد عن البطش إلى محرم من مكسب أو فاحشة، وحبس الرجل

<<  <  ج: ص:  >  >>