الله تعالى قرن الأعمال بالإيمان في كل المواضع، فلم تقف المرجئة مع شيء من هذا البيان والأحكام، فلما أجمل القول في موضع واحد لما ذكرناه من السبب تعلقوا به ووقفوا معه، وقد قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: صنفان لا نصيب لهما في الإسلام، وفي لفظ آخر: لا تنالهم شفاعتي: القدرية والمرجئة، وفي الحديث الغربي: طائفتان لا يدخلون الجنة: من قال أنّ الإيمان كلام، ورواه حذيفة فقال: إني لأعلم أهل دينين في النار قوم شرار بلا علم، وقوم في آخر الزمان يقولون كانوا ألوفاً ضلالاً، نسأل الله تعالى أنّ لا يصرفنا عن فهم آياته ولا يبلونا بالكبر، وإن يرينا سبيل الرشد ويوفقنا لاتخاذه سبيلاً، وإن يرينا سبيل الغيّ ويعصمنا من اتخاذه سبيلاً، كما أخبر بذلك عمن بلاه به فقال تعالى:(سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِي الَّذينَ يَتَكَبَّرُونَ في الأَرْضِ بِغَيْرِ الَحقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لاَ يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبيلَ الرُّشْدِ لاََ يَتَّخِذُوهُ سَبيلاً وَإِنْ يَرَوْا سَبيلَ الغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً) الأعراف: ١٤٦ الآية.
[ذكر الاستثناء في الإيمان والإشفاق من النفاق وطريقة السلف في ذلك]
فأما الاستثناء في الإيمان فإنه سنة ماضية وفعل الأئمة الراضية، على معنى الخوف والتقصير، وكراهية التزكية للنفس، لا على وجه الارتياب في اليقين، ولا بمعنى الشك في التصديق، إذ الإيمان مقامات والمؤمنون فيه درجات، ولذلك قال الله تعالى لقوم موصوفين بأعيانهم:(أُولئِكَ هُمُ المُؤْمِنُونَ حقَّاً) الأنفال: ٤، فهذا وصفهم بالكمال ومدحهم بخصال الأعمال، ففي دليل خطابه أنّ ثم مؤمنين غير حق كيف وقد قال تعالى:(وأنَّ فريقاً من المؤمنين لكارهون يجادلونك في الحق بعد ما تبين) الأنفال: ٥ - ٦، وقال سبحانه وتعالى في وصف آخرين:(يَا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلونَ) الصف: ٢، وقال في نعت الصادقين:(إنَّمَا المُؤْمِنُونَ الَّذينَ آمَنُوا بالله وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجََاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ في سَبيلِ الله أولئِكَ هُمْ الصَّادِقُونََ) الحجرات: ٥١، وقال في مثل وصفهم:(وَلكِنَّ البرَّ مَنْ آمَنَ بالله والْيَومِ الآخر وَالمَلائِكَةِ) البقرة: ١٧٧، الآية، فذكر عشرين وصفاً إلى قوله:(أُولئِكَ الّذينَ صَدّقوا وَأولئِكَ هُمُ المُتَّقُونَ) البقرة: ١٧٧، منها الإيثار بالمال على حبه، والوفاء بالعهد، والصبر في الأمراض والجوع والشدائد، فبعد ذلك شهد لهم بالصدق والتقوى وقال في وصف المحبوبين من الموقنين: (إنَّ الله اشْتَرى مِنَ المُؤْمِنينَ أَنْفُسَهُمْ وَ