للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذكر رياضة المريدين في المأكول وفضل الجوع وطريقة السلف في التقلّل والأكل

كان أبو ذر يقول في بعض إنكاره: قد غيرتم بنخلكم الشعير ولم يكن منخل، وخبزتم المرقق وجمعتم بين أدمين، واختلف عليكم بألوان الطعام وغداً أحدكم في ثوب، ورجع في آخر، ولم يكونوا هكذا في عهد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكان يقول: قوتي في كل جمعة صاع من شعير والله العظيم لا أزيد عليه حتى ألقاه، فإني سمعته يقول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أحبّكم إلىّ وأقربكم مني مجلسًا يوم القيامة من مات على مثل ما تركته عليه، وقد كان قوت جماعة من الصحابة صاع من حنطة في كل جمعة، فإذا أكلوا التمر اقتاتوا صاعًا ونصفًا، وكان قوت أهل الصفة مدّ من تمر بين اثنين في كل يوم، والمدّ رطل وثلث، وكان الحسن يقول: المؤمن مثل العنيزة يكفيه الكف من الحشف، والقبضة من السويق، والجرعة من الماء، والمنافق مثل السبع سرطًا سرطًا وبلعًا بلعًا، لا يطوي بطنه لجاره، ولا يؤثر أخاه بفضله، وجهوا هذه الفضول أمامكم، وكان أبو يزيد البسطامي يقول: إذا وجد الفقير الماء سقط عنك فرضه.

وفي الحديث المشهور العام: المؤمن يأكل في معي واحد والمنافق يأكل في سبعة أمعاء، هذا على التمثيل في الاتساع والكثرة؛ أي يأكل أضعاف أكل المؤمن، فكان المؤمن يأكل سبع أكل المنافق، والعرب ترفع في ذكر ضعف الشيء وإضعافه إلى سبعة، وقد فسّر ذلك عالمنا أبومحمد سهل فقال: معنى يأكل في سبعة أمعاء؛ أحدها شره، وطمع، وحرص، ورغبة، وغفلة، وعادة، أي فالمنافق يأكل بهذه المعاني، والمؤمن يأكل بمعنى الفاقة، والزهد، ولهذا كان يقول: لو كانت الدنيا دمًا غبيطًا كان قوت المؤمن منها حلالاً، لأنّ أكل المؤمن عنده ضرورة للقوام، ومن الناس من يضيف هذا الكلام إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو مخطئ في ذلك، إنما هو كلام إمامنا سهل بن عبد الله التستري رحمه الله، وقد سئل عن قوت المؤمن فقال: قوته الله تعالى، قال: سألت عن قوامه، فقال: الذكر فقال: إنما سألت عن غذائه، فقال: غذاؤه العلم، قلت: سألت عن طعمة الجسم، فقال: ما لك والجسم، دع الجسم على من تولاه قديماً يتولاه الآن، ثم قال: الجسد صنعة إذا عابت ردّها إلى صانعها، وسئل أيضًا عن الحلال، فقال: ما لم يعص الله في أوله ولم ينس في آخره، وذكر عند تناوله وشكر بعد فراغه، وكان يقول: القوت للمؤمنين والقوام للصالحين، والضرورة للصدّيقين، ومن كان ذا معلوم فالمستحبّ له أن لا يزيد على رغيفين في يوم وليلة، وليجعل بينهما وقتاً

<<  <  ج: ص:  >  >>