أما الأقوات فقد كان بعض السلف ينقص منها حتى يرد النفس إلى أقل قوامها،، فمن أراد هذا الطريق فلينقص في كل أكلة ربع سبع رغيف فيكون تاركاً لرغيف في شهر برياضة وتمهل، فلا يؤثر النقصان عليه شيئاً حتى تقف النفس على الأكل في ثلث بطنها وهو ثلث أكله المعتاد، وهذا طريق المريدين، ومن العلماء من لم يكن يعرض للأقوات ولكن يعمل في زيادة الأوقات فيؤخر أكله وقتًا بعد وقت حتى ينتهي إلى أكثر طاقة النفس لحمل الجوع بضعف الجسم عن الفرض أو خشية اضطراب العقل، فمن أراد هذا الطريق أخّر فطره كل ليلة إلى نصف سبع الليل حتى يكون قد طوى ليلة في نصف شهر؛ وهذا طريق من أراد الطي السبع والعشر والخمس عشرة يومًا إلى الأربعين، لأنه يعمل في تجوعه على مزيد الأيام ولا يعمل في نقصان الطعام فلا يؤثر ذلك نقصًا في عقله ولا ضعفًا عن أداء الفرائض، إذا كان على صحة قصد وحسن نية وصدق عقد، فإنه يعان على ذلك ويحفظ فيه ويكون طعمه إذا أكل عند كل وقت يزيد فيه النقص ضرورة عن غيرتعمل لنقصانه، لأن معاه تضيق لا محالة، فكلما زاد جوعه نقص أكله على هذا إلى أن ينتهي في الجوع، وينتهي في قلة الطعم، ولا ينال فضيلة الجوع التي وردت به الأخبار إلاّ بالطي، ومن الناس من يقول: حدّ الجوع الأول من الوقت إلى مثله كالغد أربعة وعشرون ساعة، وحدّه الآخر اثنان وسبعون ساعة؛ فهذا حدّ الجوع من الأوقات فأما حدّه في الأقوات فكان بعضهم يقول: حدّ الجوع أن لا تطلب نفسك الأدم، فمتى طلبت نفسك الأدم مع الخبز فلست جائعًا؛ فهذا حدّ الأوّل، وقيل: حدّه الجوع أن تطلب الخبز فلا تميز بينه وبين غيره، فمتى تاقت النفس إلى الخبز بعينه فليست بجائعة لأن لها شهوة في التخير، ومتى لم تميز بين خبز وغيره من مأكول؛ فهذا حدّ الجوع وهو الفاقة والحاجة إلى الطعام الذي جعله الله تبارك وتعالى غذاء للأجسام؛ وهذا يكون في آخر الحدّين من الأوقات بعد الثلاث إلى خمس وسبع، ويكون طلب العبد عند هذا الجوع القوام من العيش والضرورة من القوت وهو ما سدّ الجوعة وأعان على أداء الفريضة؛ وهذا حال