للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد روينا في معنى الحدث لفظة غريبة جاءت من طريقين، وهو: من لم يذكر الناس لم يذكر الله عزّ وجلّ أن يذكرهم في العطاء ويثني عليهم به، والنوع الثاني من التفضيل أنّ على المعطي أن لا يحبّ أن يذكر معروفه ولا يشكر فإن علمت من يقصد ذلك ويحبه منك فهذا يدل على نقصان علمه وقوة آفات نفسه، فترك الثناء على مثل هذا والكتم من الفقير أفضل، فإن شكر له فأظهر عطاءه فقد ظلمه لإعانته إياه على ظلم نفسه، وقد قوى آفات نفسه، وهذا إذا فعله به من المعاونة على الإثم والعدوان فقد كان ينبغي للمعطي أن ينصره إذا كان ظالماً من حيث لا يعلم بأن يخفي عليه ما يعمل والله أعلم بالصواب.

[نوع آخر من التفضيل في الآخذ للفقير:]

إنّ من الناس من يستوي عنده إظهاره للعطاء وإخفاؤه لصحة يقينه بذلك وإخلاص نيته فيه ونفاد مشاهدته بدوام نظره إلى المنعم الأول، فهذا إن قبلت منه علانيته صلح وإن أثنيت عليه بذلك جاز لقوة معرفته وكمال عقله وسبق نظره إلى مولاه فيما وفقه به وتولاه، فيشكر له ذلك ويراه نعمة منه، ولمثل هذا جاء الخبر المشهور: إذا مدح المؤمن ربا الإيمان في قلبه،، وقال بعض العارفين: يمدح الرجل علي قدر عقله، وقال الثوري: من عرف نفسه لم يضرّه مدح الناس له.

[النوع الرابع من التفضيل]

من الناس من إذا أظهر معروفه فسد قصده بذلك واعتورته الآفات من التزين والتصنع، فمثل هذا لايصلح أن يقبل منه ما أعلن به لأنه يكون معيناً له على معصيته، وهذا أيضاً لا يصلح أن يثني عليه، فإن ذكر بمعروفه أو مدح به، كان ذلك مفسدة له واغتراراً منه لقوة نظره إلى نفسه ونقصان معرفته بربه، فمن مدح هذا فقد قبله ومن ذكره بمعروفه فقد أعانه على شركه، ومدح رجل رجلاً عند النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: ضربت عنقه، لو سمعها ما أفلح وقد كان هو صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يثني على قوم في وجوههم ومن حيث يسمعون لثقته بيقينهم وعلمه أنّ ذلك مزيداً لهم، وقال لرجل أقبل إليه: هذا سيّد أهل الوبر، وقال لآخر من حيث يسمع: إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه، وتكلم رجل بكلام فصل فأعجبه فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنّ من البيان سحراً، وقد كان يخفي الثناء على آخرين إذا علم أنّ ذلك خير لهم، وقال الثوري ليوسف بن أسباط: إذا أوليتك معروفاً فكنت أنا أسرّ به منك ورأيت ذلك نعمة من الله تعالى عليّ وكنت أشدّ حياء منك فاشكر، وإلاّ فلا، فجملة ذلك أنّ المعطي حاله الإخفاء وأنّ الآخذ حلاه الإظهار، فمن خالف ذلك فارق حاله، وإن فرض المعطي أن يكره المدح ولا يحبّ الثناء والذكر، فمن علمت منه ذلك فعليك أن تثني وتشكر وتنشر، ومن علمت منه بحبِ الإظهار ويقتضي منك الاشتهار

<<  <  ج: ص:  >  >>