قال سبحانه وتعالى:(وَأنْكِحوا الأَيَامى مِنْكُمْ) النور: ٣٢ الآية، فأمر المحتاجين وندب المعصومين، فالنكاح فرض مع الحاجة وسنّة على الكفاية، ثم وعدهم تعالى الغنى على الفقر، فالغنى على الغني يجعله على نحو الفقر من الفقير، فقد يكون فقيراً من الأجر فيغنيه بالأجر، ويكون فقيراً من عدم الحكم فيغنيه بإيجاب الحكم عليه، ويكون فقيراً بالضيعة والشتات وفقد المنزل والأثاث فيغنيه بوجود ذلك، وأحكمه عزّ وجلّ بما عقبه من قوله تعالى وهو الحكيم:(والله وَاسِعٌ عَليمٌ) البقرة: ٢٤٧، فهو واسع لغناهم عن معاني فقرهم عليهم بحالهم وما يصلحهم فيما لا يعلمون على مقادير رتبهم، وروى الحسن عن أبي سعيد عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من ترك التزويج مخافة العيلة فليس منا، وروينا عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إذا أتاكم من ترضون دينه وأمانته فأنكحوه ألاّ تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير.
وفي الخبر: من نكح لله عزّ وجلّ وأنكح لله تبارك وتعالى استحق ولاية الله تعالى، وهذا أدنى حال تنال به الولاية لأنها مقامات لكل مقام عمل من الصالحات، إلاّ أنا روينا أنّ بشر بن الحارث قيل له إنّ الناس يتكلمون فيك، فقال: وما عسى يقولون؟ قيل: يقولون إنك تارك لسنّة يعنون النكاح، فقال: قل لهم: إني مشغول بالفرض عن السنّة، وقال مرة: ما يمنعني من ذلك إلا آية في كتاب الله تعالى قوله: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذي عَلَيْهِنَّ) البقرة: ٢٢٨، ولعسى أن لا أقوم بذلك، وكان يقول: لو كنت أعول دجاجة لخفت أن أكون جلاّداً على الجسر، هذا يقوله في سنة عشرين ومائتين، والحلال والنساء أحمد عاقبة، فكيف بوقتنا هذا؟ فالأفضل للمريد في مثل زماننا هذا ترك التزويج إذا أمن الفتنة وعود العصمة، ولم تنازعه نفسه إلى معصية، ولم يترادف خواطر النساء على قلبه حتى يتشتت همه أو يقطعه عن حسن الإقبال على الخدمة من مسامرة الفكر ومحادثة النفس بأمر النساء، وما لم يجمح بصره إلى محظور ولم يخالط ذكره شهوة تستولي عليه، لأنّ أول خطايا الفرج شهوة القلب بمسامرة الفكر وهو معقول