[وفيه مدح العالمين وذم الغافلين عنه وتفسيرالغريب والمشكل من القرآن]
باختصار الأصول الدالة على المعنى فأما ظاهر الكلام فعلى معنيين عجيبين وهو مجمل مختصر وموصل مكرر فإجماله واختصاره للبلاغة والإيجاز قال تعالى:(إنَّ في هذاَ لَبَلاغاً لِقَوْمٍ عابِدين) الأنبياء: ١٠٦ ومكرره وتفصيله للإفهام والتذكار، قال الله تعالى:(ولَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُون) القصص: ٥١، وقال عزّ وجلّ في المبهم المجمل والتوحيد المفصل:(آلركِتابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكيمٍ خَبيرٍ) هود: ١ فهذه ثلاثة أسماء الله لطيف رحيم وقيل بل هي حروف من اسم وهو الرحمن ثم أظهر السبب فقال كتاب أحكمت آياته يعني بالتوحيد ثم فصلت أي بالوعد والوعيد ثم قال من لدن حكيم أي للأحكام خبير أي بالأحكام خبير بالتفصيل للحلال والحرام ألا تعبدوا إلا الله هذا هو التوحيد الذي أحكمه أنني لكم منه نذير وبشير هذا الوعد والوعيد الذي أعمله فمن المختصر للإيجاز قوله تعالى: (وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا) الإسراء: ٥٩، ففي هذا مختصر ومحذوفان فالمضمر قوله مبصرة المعنى آية مبصرة فأضمر ومحذوفاه قوله فظلموا بها المعنى ظلموا أنفسهم بالتكذيب بها فاختصرت كلمتان من كلمتين للإيجاز ومثله قوله:(وَهِيَ خَاويَةٌ عَلى عُرُوشِها) البقرة: ٢٥٩ الخواء الخلاء والعروش السقوف وهو جمع عرش فكيف تكون خاوية من العروش والعروش موجودة فيها، فهذا من المختصر المحذوف ومعناه وهي خاوية من ثمرها أو من أهلها واقعة على عروشها ومثله قوله تعالى:(وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ باللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ) البقرة: ١٧٧، حذف الفعل وأقيم الاسم مقامه فالمعنى فيه ولكن البرّ برّ من آمن بالله وقد يكون من المبدل فيكون المحذوف هو اسم أبدل الفعل مكانه ولكن البر من آمن بالله فلمّا كان البر وصفه أقيم مكانه وممثل معنى الأوّل قوله عزّ وجلّ:(وَأُشْرِبُوا في قُلُوبِهِمِ العِجْلَ) البقرة: ٩٣ أي حب العجل، ومن ذلك قوله عزّ وجلّ:(أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ) الكهف: ٧٤، ولم يذكر قتله والمعنى بغير نفس قتلها فحذف الفعل ومثله أنه من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في