آخرته لوجهه مكرماً، وان كان العبد في حق مولاه متهاوناً وبأمره مستخفاً ولشعائره مستصغراً كان الله تعالى له مهيناً وبشأنه متهاوناً، قال الله تعالى:(وَمَا يَسْتَوِي الأَعْمى وَالْبَصُير) فاطر: ١٩، والذين آمنوا وعملوا الصالحات ولا المسيء، ثم قال:(قَليلاً مَا تَذَكَّرُونَ) الأعراف: ٣، موبخاً لهم بذلك، وقال في مثله:(أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمينَ كالْمُجْرِمينَ) القلم: ٣٥، ثم قال:(مَا لَكمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) القلم: ٣٦، ذاماً عائباً لحكمهم؟ ثم أخبر بحكمه فيهم فقال:(أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَّحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ) الجاثية: ١٢، هكذا تقدير الكلام وهو من المقدم والمؤخر، فرفع حسناتهم وأخبر بسوء حكمهم ثم ذكر حكمهم عنده في المحيا والممات فقال:(سَواءً مَحْيَاهُمْ وَمَماتُهُم) الجاثية: ٢١، أي كما كانوا في الحياة كذلك يكونون بعد الوفاة، ثم عقب ذلك بذكر عدله في خلقه فقال:(وَخَلَقَ اللهُ السَّموات والأرْضَ بِالحَقِّ وَلِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) الجاثية: ٢٢ فكان هذا فصل الخطاب وتذكار أولي الألباب، وقال في معناه وأمر بتدبر كلامه وأمر بتذكر العقلاء عن خطابه فقال:(كِتَابٌ أنْزَلْنَاهُ إلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آياتِه وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الألْبَابَ) ص: ٢٩، هل يتدبرون فيجدون أنا نجعل المفسدين كالمصلحين أو نجعل المتقين كالفاسقين وهو قوله تعالى:(أَمْ نَجْعَلُ الَّذينَ آمَنوا وَعَمِلْوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدينَ في الأرْضِ أَمْ نَجْعَلُ المُتقَّينَ كَالْفُجّارِ) ص: ٢٨، فالتدبر التفهم، والتذكر التقوى والعمل، وروينا عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أحب أن يعلم منزلته عند الله عزّ وجلّ فلينظر كيف منزلة الله تعالى من قلبه فإن الله عزّ وجلّ ينزل العبد عنده بحيث نزله العبد من نفسه، فإذا نام العبد على طهارة وذكر وعن مثل هذه المشاهدة والفكر فإن مضطجعه يكون مسجداً وإنه يكتب مصلياً حتى يستيقظ ويدخل في شعاره ملك فإن تحرك في نومه فذكر الله عزّ وجلّ دعا له الملك واستغفر له، وفي الخبر: إذا نام العبد على طهارة عرج بروحه إلى العرش فكانت رؤياه صادقة، وإن لم ينم على طهارة قصرت روحه عن البلوغ فتلك المنامات أضغاث أحلام لا تصدق، فإن غلبه النوم حتى يصبح حسب له قيام ليلة وكان نومه عليه صدقة ومن كان هذا وصفه في منامه يسبق كثيراً من العباد في قيامهم عن شهود غفلة وسهو. وقد روينا في خبر نوم العالم عبادة ونفسه تسبيح.
[ذكر ما يستحب من القول عند القيام إلى التهجد]
فإذا قام من الليل متهجداً فليقل: الحمد لله الذي أحياني بعد إذ توفاني وإليه النشور، وليقرأ العشر الأواخر من سورة آل عمران، وليستك وليتوضأ ويقول: سبحانك وبحمدك لا إله إلا أنت أستغفرك وأسألك التوبة فاغفر لي وتب علي إنك أنت التوّاب الرحيم، اللهم اجعلني من التوّابين واجعلني من المتطهرين واجعلني صبوراً شكوراً