التوكّل من أعلى مقامات اليقين وأشرف أحوال المقرّبين قال الله الحق المبين:(إن الله يحبّ المتوكلين) آل عمران ١٥٩فجعل المتوكل حبيبه وألقى عليه محبّته وقال الله عزّ وجلّ: (وَعَلَى الله فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ) إبراهيم ١٢يرفع المتوكلين إليه وجعل مزيدهم منه، وقال جلت قدرته:(ومن يتوكل على الله فهو حسبه) الطلاق: ٣ أي كافيه مما سواه فمن كان الله تعالى كافيه فهو شافيه ومعافيه ولا يسأل عمّا هو فيه، فقد صار المتوكل على الله تعالى من عباد الرحمن الذين أضافهم إلى وصف الرحمة، ومن عباد التخصيص الذين ضمن لهم الكفاية، وهم الذين وصفهم في الكتاب بقوله سبحانه:(وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هوناً) الفرقان: ٦٣إلى آخر أوصافهم، وهم الذين كفاهم في هذه الدار المهمّات ووقاهم بتفويضهم إليه السيِّئات بقوله تعالى:(ألَيْسَ الله بِكَافٍ عَبْدَهُ) الزمر: ٣٦ وقوله تعالى: (وَأُفَوِّضُ أَمْري إلَى الله إنَّ الله بَصيرٌ بِالْعِبَادِ)(فَوَقاهُ الله سيِّئاتِ مَا مَكَرُوا) غافر: ٤٤ - ٤٥ وليس هؤلاء من عباد العدد فقط الذين قال الله عزّ وجلّ:(إنْ كُلُّ مَنْ في السَّمَواتِ وَالأرْضِ إلاّ آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً)(لَقَدْ أحْصاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَداً) مريم ٩٣ - ٩٤.
وقال بعض الصحابة وغيره من التابعين: التوكل نظام التوحيد وجماع الأمر، وحدثونا عن بعض السلف قال: رأيت بعض العباد من أهل البصرة في المنام فقلت: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي وأدخلني الجنة، قلت: فأي الأعمال وجدت هناك أفضل؟ قال: التوكّل وقصر الأمل فعليك بهما وقال أبو الدرداء: ذروة الإيمان والإخلاص والتوكل والاستسلام للربّ عزّ وجلّ، وكان أبو محمد سهل رحمه الله يقول: ليس في المقامات أعزّ مِن التوكّل وقد ذهب الأنبياء بحقيقته وبقي منه صبابة انتشقها الصدّيقون والشهداء فمن تعلّق بشيء منه فهو صديق أو شهيد.