للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السيجان يعني الطيالسة وهو جمع ساج، وقوله: نعالهم مخرطة أي لها أعناق طوال معرقفة كالخراطيم وهي أكمام الأباريق، وكان ابن عمر يقول للحلاق أبلغ العظمين فإنهما منتهى اللحية؛ يعني حدّها، ولذلك سميت لحية لأن حدّها للحي فالزيادة على ذلك الحد والنقصان منه محدث.

[ذكر ما جاء في فعل بعض ذلك واستحبابه]

إنّ من العلماء من كان يأخذ من لحيته في المناسك وغيرها وإن قبض الرجل على لحيته وأخذ ما تحت القبضة فلا بأس، قد فعله ابن عمر وجماعة من التابعين واستحسنه الشعبي وابن سيرين وكرهه الحسن وقتادة وتركها عافية على خلقتها أحبّ إليّ، وقد روينا خبراً من سعادة المرء خفة لحيته، إلاّ أنّ بعض الرواة رواه على معنى آخر فإن لم يكن صحفه فهو غريب، كان يقول فيه خفة لحيته أي بتلاوة القرآن ولا أراه محفوظاً، وقد كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم الصالحون بعده يسرّحون لحاهم لأجل الدين والسنّة وتنظيفاً للطهارةونزع التفث من القمل وغيره ولإسقاط شعر ميت إن كان هناك، وقد كان من الزّهاد من يترك لحيته متفتلة لا يسرّحها شغلاً عن نفسه، والصدق بعينه حسن والصدق في كل شيء حسن، قال بعضهم: رأيت داود الطائي منفتل اللحية، فقلت: يا أبا سليمان لو سرّحت لحيتك، فقال: إني إذاً لفارغ، إلاّ أنّ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يدهن شعره ويرجله غبّاً، وأمر بذلك فقال: وادهنوا غبّاً، وقال: من كانت له شهرة فليكرمه ودخل رجل ثائر الرأس أشعث اللحية فقال: أما كان لهذا دهن يسكن به شعره؟ ثم قال: يدخل أحدكم كأنه شيطان.

وقد روينا في خبر غريب: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يسرّح لحيته في كل يوم مرتين، وفي خبر أغرب منه قالت عائشة رضي الله تعالى عنها: اجتمع قوم بباب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فخرج عليهم فرأيته يطلع في الحب ليسوي من رأسه ولحيته، وفي الخبر المشهور أنه كان يمشط لحيته في كل يوم، وأنّ المشط والمدرى لم يكن يفارقه في سفر ولا حضر؛ فهذه سنّة العرب المعروفة فيهم وكان عليه الصلاة والسلام عليها، وكانت من أخلاقه، وقد كان الشباب يتشبهون بالكهول تفضيلاً للكهول غير عجب بالشباب ولا فخر بالحداثة.

وفي الخبر: خير شبابكم من تشبّه بشيوخكم وشرّ شيوخكم من تشبّه بشبابكم، وفي الحديث: أنّ من إجلال الله تعالى إجلال ذي الشيبة لمسلم، وقد كان الشيوخ يقدمون الشباب ويرون فضلهم بالعلم والدين تواضعاً وإخباتاً لا تكبّراً بالكبر ولا غلّواً، كان عمر رضي الله تعالى عنه يقدم ابن عباس وهو حدث السنّ على أكابر الصحابة ويسأله دونهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>