للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وروي عن ابن عباس وغيره: ما آتى الله تعالى عبداً العلم قط إلاّ شاباً والخير كله في الشباب، ثم تلا قوله تعالى: (قَالُوا سَمِعْنَا فَتىً يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبراهيمُ) الأنبياء: ٦٠ وتلا قوله سبحانه: (إنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ) الكهف: ١٣، وقوله تعالى: (وَآَتَيْنَاهُ الحُكْمَ صَبِيّاً) مريم: ١٢، وقد كان أنس بن مالك إذا ذكر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: قبض، وليس في شعر رأسه وشعر لحيته عشرون شعرة بيضاء فقيل ولِمَ يا أبا حمزة وقد أسنّ؟ قال: لم يشنه الله تعالى بالشيب، قيل: أو شين هو؟ قال: كلكم يكرهه، ويقال إنّ يحيى بن أكثم ولي القضاء وسنّه إحدى عشرون سنة فقال له رجل ذات يوم وهو في مجلسه يريد أن يحشمه بذلك كم سنّ القاضي أيده الله تعالى؟ فقال مثل سن عتاب بن أسيد حيث ولاه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إمارة مكة وقضاءها فأفحمه، وروينا عن مالك بن معول قال: قرأت في بعض كتب الله عزّ وجل: لا تغرّنكم اللحى فإن التيس له لحية، وقال بعض الأدباء كلما طالت اللحية تشمّر العقل وقال أبو عمرو بن العلاء إذا رأيته طويل القامة صغير الهامة عريض اللحية فاقض عليه بالحمق، ولو كان أمية بن عبد شمس، وقال معاوية رحمه الله تعالى: يتبين حمق الرجل من طول قامته وعظم لحيته، وفي كنيته ونقش خاتمه، وكان إبراهيم النخعي ومثله من السلف يقول: عجبت لرجل عاقل طويل اللحية كيف لا يأخذ من لحيته فيجعلها بين لحيتين فإن التوسط في كل شيء حسن وأنشدت لبعض الظرفاء:

لا تعجبنّ بلحية ... كبرت منابتها طويله

يهوى بها عصف الريا ... ح كأنها ذنب الحسيله

قد يدرك الشرف الفتى ... يوماً ولحيته قليله

وأنشد لبعض العرب:

لعمرك ما الفتيان ... إن تنبت اللحى

ولكنما الفتيان ... كل فتى ندي

ولم يكن الأشياخ يستنكفون أن يتعلموا من الشباب ما جهلوا ولا يزرون عليهم لصغر سنهم إذ الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء لا مانع لما أعطى الله من صبي أو غيره ولا معطي لما منع الله من كبير أو غيره، وقال أبو أيوب السجستاني: إني أدركت الشيخ ابن ثمانين سنة يتبع الغلام يتعلم منه فيقال له تتعلم من هذا؟ فيقول: نعم، أنا عبده ما دمت أتعلم منه، وقال عليّ بن الحسن من سبق إليه العلم فهو إمامك فيه وإن كان أصغر سنّاً منك، وقيل لأبي عمرو بن العلاء: أيحسن للشيخ الكبير أن يتعلم من الصغير؟ فقال: إن كانت الحياة تحسن به فإن التعلّم يحسن، فإنه يحتاج إلى العلم ما دام حيّاً، وقال يحيى بن معين لأحمد بن حنبل وقد رآه يمشي خلف بغلة الشافعي رضي الله تعالى عنه: يا أبا عبد الله تترك حديث سفيان بعلوّ وتمشي خلف بغلة هذا الفتى وتسمع منه؟ فقال أحمد: لو عرفت منه ما أعرف لكنت تمشي من الجانب الآخر، إن علم سفيان

<<  <  ج: ص:  >  >>