يزل قائماً موجوداً بجميع أسمائه وصفاته وكلامه وأنواره وإرادته، وإنه ذو الملك والملكوت والعزّة والجبروت، له الخلق والأمر والسلطان والقهر، يحكم بأمره في خلقه وملكه ما شاء كيف شاء، لا معقب لحكمه ولا مشيئة لعبد دون مشيئته، إن شاء شيئاً كان ولا يكون إلا ما شاء، لا حول لعبد عن معصيته إلا برحمته، ولا قوة لعبد على طاعته إلا بمحبته، وهو واحد في جميع ذلك، لا شريك له ولا معين في شيء من ذلك، ولا يلزمه إثبات الوعيد بل المشيئة إليه في العفو، ولا يجب عليه في الأحكام ما أجرى علينا، ولا يختبر بالأفعال ولا يشار بالمقال، حكيم عادل بحكمة وعدل، هما صفتاه لا يشبه حكمته بحكمة خلقه، ولا يقاس عدله بعدل عباده، ولا يلزمه من الأحكام ما ألزمهم، ولا يعود عليه من الأسماء المذمومة كما يعود عليهم، قد جاوز العقول وفات الأفهام والأوهام والعقول، هو كما وصف نفسه وفوق ما وصفه خلقه، نصفه بما ثبتت به الرواية وصحت عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأنه ليس كمثله شيء في كل شيء بإثبات الأسماء والصفات، ونفي التمثيل والأدوات، وأنه سبحانه وتعالى لم يزل موجوداً بصفاته، كلها لم تزل له، وإنّ صفاته قائمة به لم تزل كذلك، ولا يزال بلا نهاية ولا غاية ولا تكييف ولا تشبيه ولا تثنية، بل بتوحيد هو متوحد به وتفريد هو منفرد به، لا يجري عليه القياس ولا يمثل بالناس، ولا ينعت بجنس ولا يلمس بحس ولا بجنس من شيء، ولا يزدوج إلى شيء، وإنّ ما سوى أسمائه وصفاته وأنواره وكلامه من الملك والملكوت محدث كله ومظهر، كان بعد إن لم يكن ولم يكن قديماً ولا أول بل كان بأوقات محدثة وأزمان مؤقتة، والله تعالى هو الأزلي الذي لم يزل، الأبدي الذي لم يحل، القيوم بقيومية هي صفته، الديموم بديمومية هي نعته، أوّل بلا أوّل ولا عن أوّل، آخر لا إلى آخر بكينونة هي حقيقته، أحد صمد لم يلد وبمعناه لم يولد، ومعنى ذلك لم يتولد هو من شيء ولم يتولد منه شيء، ومثل ذلك لم يخلق من ذاته شيء، كما لم تخلق ذاته من شيء، سبحانه وتعالى عمّا يقول الملحدون من ذلك علوّاً كبيراً.
ذكر فرض شهادة الرسول
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قال الله تعالى الكبير المتعال:(وَإِذْ أَخَذَ اللهُ ميثَاقَ النَّبيّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدَّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِننَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ) آلعمران: ٨١، وقال عزّ وجلّ:(مَنْ يُطِعِ الرَسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ) النساء: ٨٠ وقال: (إنَّ الَّذينَ يُبَايُعونَكَ إنَّمَا يُبَايِعُونَ الله) الفتح: ١٠ ففرض شهادة الرسول
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن تشهد أنّ محمداً رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، خاتم الأنبياء لا نبي بعده، وكتابه خاتم الكتب لا كتاب بعده، وهو مهيمن على كل كتاب، ومصدق لما سلف من الكتب قبله، وأن شريعته ناسخة للشرائع، قاضية عليها إلا ما أقره كتابه ووافقه، وكتابه شاهد على الكتب وحاكم عليها، وأنه هو الذي بشر به عيسى