للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فسكت القوم، فسأل أبيّ بن كعب فقال: قرأت سورة كذا وتركت آية كذا فما أدري أنسخت أم رفعت، فقال: أنت لها يا أبيّ، ثم أقبل على الآخرين فقال: ما بال أقوام يحضرون صلاتهم ويتمّون صفوفهم ونبيهم بين أيديهم، لا يدرون ما يتلو عليهم من كتاب ربهم إلاّ أنّ بني إسرائيل كذلكم فعلوا، فأوحى الله إلى نبيهم أن قل لقومك تحضروني أبدانكم وتعطوني ألسنتكم وتغيبون عني قلوبكم باطلاً ما تذهبون.

وقال بعض علمائنا: إنّ العبد يسجد السجدة عنده أنه يتقرب بهما إلى الله عزّ وجلّ، ولو قسمت ذنوبه في سجدته على أهل مدينته لهلكوا، قيل: وكيف يكون ذلك يا أبا محمد؟ قال: يكون ساجداً عند الله وقلبه مصغ إلى هوى، ومشاهد لباطل قد استولى عليه، وهذا كما قال لأن فيه انتهاك حرمة القرب وسقوط هيبة الرب تعالى، واعلم أنّ طول الصلاة عليك غفلة وقصرها سهو لأنها إذا طالت عليك دلّ على عدم الحلاوة ووجود الثقل بها وكبرها على جوارحك، وإذا قصرت عليك وخفّت دلّ على نقصان حدودها ودخول الغفلى والسهو فيها، فالنسيان قصرها، والاستقامة في الصلاة أن لا تطول عليك لوجود الحلاوة، ولذة المناجاة، وحسن الفهم، واجتماع الهمّ، ولا تقصر عليك لتيقظك فيها، ورعايتك حدودها، وحسن قيامك بها؛ وهذه مراقبة المصلين ومشاهدة الخاشعين.

[ذكر أحكام الخواطر في الصلاة]

وما ذكر به العبد في الصلاة من الخير فليسارع إلى فعله فذلك من أحبّ الأشياء إلى الله تعالى لأنه أذكره إياها في أحبّ المواطن إليه، وما ذكر به من المكروه والممقوت إليه من المعتاد والمستأنف فليجتنبه؛ فإنه هو الذي يبعده من قرب الله سبحانه وتعالى، وتذكيره إياه في محل القرب، توبيخاً له وتقريراً، وقد يكون عتباً وتنبيهاً، فترك ذلك مما يقرب إلى الله تعالى، ويدل على حسن الاستجابة له؛ وهو مسلك طريقه إلى الله تعالى وما خطر به من خاطر تمنٍّ أو هوى أو ذكر بهمة ما يأتي أو ما قد مضى، فإنّ ذلك وسوسة إليه من عدوه حسداً له ليقطعه بذلك عن وقوف قلبه عند كل ركن من أركان الصلاة ويشغل قلبه عن الوقوف في المناجاة، بما يضرّه عما ينفعه ليحرمه بذلك أن يشهد عند كل ذكر من أذكار الصلاة ما يوجبه الذكر من تدبير أو تعظيم أو حمد أو دعاء أو استغفار، وإن خطر بقلبه أمر معاشه وتصريف أحواله وتدبير شأنه من المناجاة، فذلك من قبل النفس وفكرها

<<  <  ج: ص:  >  >>