للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأوصاف فله مقام من الرجاء.

واعلم أن مقام اليقين لا يزيل بعضها بعضًا ولكن يندرج بعضها في بعض، فمن غلب عليه حال مشاهدته وصف بما غلب عليه واستمر بما سوى ذلك من المقامات فيه، ومن عمل بشرط مقام منها وقام بحكم الله تعالى فيه نقل إلى ما سواه، وكان المقام الأول له علماً والثاني الذي أقيم فيه له وجدًا، فكتم الوجد لأنه سرّه وعبّر عن العلم لأنه قد جاوزه فصار له علانيّة، ومقام الرجاء هو جند من جنود الله عزّ وجلّ يستخرج من بعض العباد ما لا يستخرج غيره لأن بعض القلوب تلين وتستجيب عن مشاهدة الكرم والإحسان وتقبل وتطمئن بمعاملة النّعم والإحسان ما لا يوجد ذلك منها عند التخويف والترهيب بل قد يقطعها ذلك ويوحشها إذ قد جعل الرجاء طريقها فوجدت فيه قلوبها.

ومثل الرجاء في الأحوال مثل العوافي والغنى في الإنسان من يقبل قلبه ويجتمع همّه عندهما ويوجد نشاطه وتحسن معاملته بهما.

كما روينا عن الله سبحانه وتعالى: إن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى ولو أفقرته لأفسده ذلك ومن عبادي من لا يصلحه إلا الصحة ولو أسقمته لأفسده ذلك، إني أدبر عبادي بعلمي، إني بهم خبير، فكذلك من عبادي من لا يصلحه إلا الرجاء ولا يستقيم قلبه إلا عليه ولا تحسن معاملته إلا بوجود حسن الظنّ فهو طريقه إليه ومقامه منه ومنه علمه به وعنده يجد قلبه معه، إلا أنه وإن كان طريقًا يخرج إلى الله عزّ وجلّ فإن الخوف أقرب منه، وما كان أقرب فهو أعلى، كما أن الغنى والعوافي طرقان إلى الله تعالى إلا أن الفقر والبلاء عندي أقرب منهما وأعلى والله غالب على أمره.

وقد روينا عن معمر عن الحسن: أنه قال: إنما عمل الناس على قدر ظنونهم بربهم فأما المؤمن فأحسن بالله الظنّ وأحسن العمل، وأما الكافر والمنافق فأساء بالله الظنّ ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

شرح مقام الخوف

ووصف الخائفين وهو الخامس من مقامات اليقين

قال الله عزّ وجلّ: (ومَا يَعْقِلُهَا إِلا الْعَالِمُونَ) العنكبوت: ٤٣ فرفع العلم على العقل وجعله مقامًا فيه وقد قال سبحانه وتعالى: (إنَمَا يَخْشى اللّّه منْ عبَادِهِ الْعُلمَاءُ) فاطر: ٢٨ فجعل الخشية مقامًا في العلم حققه بها، والخشية حال من مقام الخوف، والخوف اسم لحقيقة التقوى، والتقوى معنى جامع للعبادة وهي رحمة الله تعالى للأوّلين والآخرين، ينظم هذين المعنيين قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُم الَّذي خَلَقكُمْ وَالَّذينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تتَّقُونَ) البقرة: ٢١ وقوله تعالى: (وَلقَدْ وَصَّيَّنْا الَّذين أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أنّ اتََقُوا الله) النساء: ١٣١، وهذه الآية قطب القرآن مداره عليها والتقوى

<<  <  ج: ص:  >  >>