للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سبب أضافه تعالى إليه تشريفاً له، ومعنى وصله به وأكرم عباده عليه تعظيماً له فقال: (لَنْ يَنالَ اللهَ لُحُومَها وَلا دِمَاؤُهَا ولَكِنْ يَنالُهُ التَّقْوَى مِنْكُم) الحج: ٣٧ وقال: (إنَّ أكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أتْقَاكُمْ) الحجرات: ١٣ وفي الخبر: إذا جمع الله الأوّلين والآخرين لميقات يوم معلوم ناداهم بصوت يسمع أقصاهم كما يسمع أدناهم يقول: يا أيها الناس إني قد أنصت لكم منذ خلقتكم إلى يومكم هذا، فأنصتوا إلي اليوم، فإنما هي أعمالكم ترد عليكم، أيها الناس إني جعلت نسباً وجعلتم نسباً، فوضعتم نسبي ورفعتم نسبكم، قلت: (إنَّ أكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أتْقَاكُمْ) الحجرات: ١٣ وأبيتم إلا فلان بن فلان أغنى من فلان، فاليوم أضع نسبكم وأرفع نسبي، أين المتقون؟ قال: فينصب للقوم لواء فيتبع القوم لواءهم إلى منازلهم فيدخلهم الجنة بغير حساب.

والخوف حال من مقام العلم، وقد جمع اللّّّه تعالى للخائفين ما فرقه على المؤمنين، وهو الهدى والرحمة والعلم والرضوان، وهذه جمل مقامات أهل الجنان، فقال تعالى: (هُدَى وَرَحْمَةٌ للّذينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُون) الأعراف: ١٥٤ وقال: (إنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ العُلمَاءُ) فاطر: ٢٨ وقال جل ذكره: (رَضِيَ اللّّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ) البينة: ٨

وفي خبر موسى عليه السلام: وأما الخائفون فلهم الرفيق الأعلى، لا يشاركون فيه، فأفردهم من غير مشاركة بالرفيق الأعلى، كا حققهم اليوم بشهادة التصديق، وهذا مقام من النبوة، فهم مع الأنيباء في المزية من قبل أنهم ورثة الأنبياء، لأنهم هم العلماء، قال تعالى: (فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَبِييِّنَ والصِّدِّيقِينَ) النساء: ٦٩، ثم قال تعالى في وصف منازلهم: (وحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً) النساء: ٦٩ بمعنى رفقًا، عبر عن جماعتهم بالواحد، لأنهم كانوا كأنهم واحد، وقد يكون رفيقاً مقاماً في الجنة من أعلى عليين، لقول الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عند الموت وقد خير بين البقاء في الدنيا وبين القدوم على الله تعالى فقال: أسألك الرفيق الأعلى.

وفي خبر موسى عليه السلام: فأولئك لهم الرفيق الأعلى، فدل أنهم مع الأنبياء بتفسير النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لذلك، وشرف مقامهم فوق كل مقام، لطلب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذلك.

فالخوف اسم جامع لحقيقة الإيمان، وهو علم الوجود والإيقان، وهو سبب اجتناب كل نهي ومفتاح كل أمر، وليس شيء يحرق شهوات النفوس فيزيل آثار آفاتها إلا مقام الخوف.

وقال أبو محمد سهل رحمه الله تعالى: كمال الإيمان العلم، وكمال العلم الخوف، وقال مرة: العلم كسب الإيمان، والخوف كسب المعرفة.

وقال أبو الفيض المصري: لايسقى المحب كأس المحبة إلا من بعد أن ينضج

<<  <  ج: ص:  >  >>