للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الخوف قلبه وقال: خوف النار عند خوف الفراق بمنزلة قطرة قطرت في بحر لجيّ، وكل مؤمن بالله تعالى خائف منه، ولكن خوفه على قدر قربه، فخوف الإسلام: اعتقاد العزة والجبرية لله تعالى، وتسليم القدرة والسطوة له، والتصديق لما أخبر به من عذابه وما تهدد به من عقابه.

وقال الفضيل بن عياض: إذا قيل لك تخاف الله فاسكت، لأنك إن قلت لا كفرت، وإن قلت نعم فليس وصفك وصف من يخاف.

وشكا واعظ إلى بعض الحكماء فقال: ألا ترى إلى هؤلاء أعظهم وأذكرهم فلا يرقون؟ فقال: وكيف تنفع الموعظة من لم يكن في قلبه لله تعالى مخافة، وقد قال اللّّه تعالى في تصديق ذلك: (سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى وَيَتَجَنَّبُهَا الأَشْقَى) الأعلى: ١٠ - ١١ أي يتجنب التذكرة الشقي، فجعل من عدم الخوف شقياً وحرمه التذكرة فخوف عموم المؤمنين بظاهر القلب عن باطن العلم بالعقد، وخوف خصوصهم وهم الموقنون بباطن القلب عن باطن العلم بالوجد: فأما خوف اليقين فهو للصديقين من شهداء العارفين عن مشاهدة ما آمن به من الصفات المخوفة.

وقد جاء في خبر إذا دخل العبد في قبره لم يبق شيء كان يخافه دون الله عز وجل إلا مثل له يفزعه ويرعبه إلى يوم القيامة فأول خوف اليقين الموصوف الذي هو نعت الموصوفين من المؤمنين، المحاسبة للنفس في كل وقت، والمراقبة للرب في كل حين، والورع عن الإقدام على الشبهات من كل شيء من العلوم بغير يقين بها ومن الأعمال بغير فقه فيها.

وفي خبر موسى عليه السلام: وأما الورعون فإنه لايبقى أحد إلا ناقشته بالحساب وفتشته عما في يديه إلا الورعين، فإني أستحييهم وأجلهم أن أوقفهم للحساب، فالورع حال من الخوف، ثم كف الجوارح عن الشبهات وفضول الحلال من كل شيء، بخشوع قلب، ووجود إخبات.

وقال عليّ كرم الله وجهه: ومن اشتاق إلى الجنة سلا عن الشهوات، ومن أشفق من النار رجع عن المحرمات، ثم سجن اللسان وخزن الكلام، لئلا يدخل في دين الله عزّ وجلّ ولا في العلم ما لم يشرعه الله في كتابه أو لم يذكره رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في سنته، أو لم ينطق به الأئمة من السلف في سيرهم مما لم يكن أصله موجودًا في الكتاب والسنة، وتسميته واضحة في العلم، فيجتنب ذلك كله، (وَلاتَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) الإسراء: ٣٦ خوفًا من المساءلة، ولا يدخل فيه لدقيق هوى يدخل عليه ولا لعظيم حظ دنيا يدخل فيه وأن ينصح نفسه لله تعالى لأنها أولى الخلق، ثم ينصح الخلق في الله تعالى فيبتدئ بالنصح في أمور الدين والآخرة، ثم يعقبه في أسباب الدنيا لأن أمور الآخرة أهم، والغش في الدين أعظم، والتزود للمنقلب آثر.

<<  <  ج: ص:  >  >>