روينا عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: من غش أمتي فعليه لعنة الله، قيل وما غش أمتك يا رسول اللّّه؟ قال: أن يبتدع لهم بدعة فيتبع عليها، فإذا فعل ذلك فقد غشهم.
وثمرة الخوف العلم بالله عزّ وجلّ والحياء من الله عز وجلّ وهو أعلى سريرات أهل المزيد يستبين أحكام ذلك في معنيين؛ هما جملة العبد إن يحفظ رأسه وما حواه من السمع والبصر واللسان وأن يحفظ بطنه وما وعاه وهو القلب والفرج واليد والرجل: وهذا خوف العموم، وهو أول الحياء.
فأما خوف الخصوص فهو أن لا يجمع ما لا يأكل ولا يبني ما لا يسكن، ولا يكاثر فيما عنه ينتقل ولا يغفل ولا يفرط عمّا إليه يرتحل، وهذا هو الزهد وهو حياء مزيد أهل الحياء من تقوى أصحاب اليمين، وقد روينا معنى ما ذكرناه في حديثين، أحدهما عام والآخر خاص، وكل من لم يستعمل قلبه في بدايته، ويجعل الخوف حشو إرادته لم ينجب في خاتمته، ولم يكن إماماً للمتقين عند علوّ معرفته.
وأعلى الخوف أن يكون قلبه معلقًا بخوف الخاتمة، لا يسكن إلى علم ولا عمل، ولا يقطع على النجاة بشيء من العلوم وإن علت، ولا لسبب من أعماله وإن جلت، لعدم علمه تحقيق الخواتم، فقد قيل: إنما يوزن من الأعمال خواتمها.
وعن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن العبد ليعمل بعمل أهل الجنة خمسين سنة حتى يقال إنه من أهل الجنة، وفي خبر: حتى ما يبقى بينه وبين الجنة إلا شبر، ثم يسبق عليه الكتاب فيختم له بعمل أهل النار ولا يتأتى في هذا المقدار من الوقت شيء من عمل الجسم بالجوارح، إنما هو من أعمال القلوب بمشاهدة العقول، وهو شرك التوحيد الذي لم يكن متحققًا به، وشكّ في اليقين الذي لم يكن في الحياة الدنيا مشاهدًا له، فظهر له بيان ذلك عند كشف الغطاء، فغلب عليه وصفه وبدت فيه حاله كما يظهر له أعماله السيئة فيستحليها قلبه أو ينطق بها لسانه أو يخامرها وجده، فتكون هي خاتمته التي تخرج عليها روحه، وذلك في سابقته التي سبقت له من الكتاب كما قال تعالى:(أولئكَ يَنَالُهُمْ نَصيبُهُمْ مِنَ الْكِتَابِ) الأعراف: ٣٧ تكون عند مفارقة الروح من الجسد (وإنّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيْبَهُمْ غَيْرَ مَنْقُوصٍ) هود: ١٠٩ وقد جاء في خبر حتى لايبقى بينه وبين الجنة إلا فواق ناقة، فيختم له بعمل أهل النار، وهذا يكون عند بلوغ الروح التراقي، وتكون النفس قد خرجت من جميع الجسد، واجتمعت في القلب إلى الحلقوم فهذا هو شبر، وفواق ناقة: هو ما بين الحلبتين، وقيل: هو شوط من عدوها بين سيرين؛ وهذا من تقلّبات القلوب عند حقيقة وجهة التوحيد إلى وجهة الضلال والشرك عندما يبدو له من زوال عقل الدنيا، وذهاب علم المعقول فيبدو له من الله ما لم يكن يحتسب.
وأكثر ما يقع سوء الخاتمة لثلاث طوائف من الناس: أهل البدع والزيغ في الدين،