وذكر ما يجمع الأكل من السنن والآداب وما يشتمل على الطعام من الكراهة والاستحباب:
قال الله الجليل جلّ جلاله:(يَا أَيُهَا الذَّي آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقنْاكُمْ واشْكُرُوا الله) البقرة: ١٧٢، فقدم الأمر بالأكل على الأمر بالشكر، وقال سبحانه:(يَا أَيُّهَا الَّذين آمَنُوا لا تَأكُلُوا أمْوَاَلكُمْ بَيْنَكُمْ بِالبَاطِلِ) النساء: ٢٩، فقدم النهي عن الأكل للحرام على القتل للنفس تفضيلاً للأكل الحلال وتعظيمًا للأكل بالباطل، وقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنّ الرجل ليؤجر حتى في اللقمة يرفعها إلى فيه أو إلى في امرأته وروي عنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما أطعم المسلم نفسه وأهل بيته فهو صدقة له، وسئل صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الإيمان؟ فقال: إطعام الطعام وبذل السلام، وقال عليه السلام في الكفّارات والدرجات: إطعام الطعام والصلاة بالليل والناس نيام، وسئل عن الحجّ المبرور فقال: إطعام الطعام ولين الكلام، وكان ابن عمر يقول: من كرم الرجل طيب زاده في سفره وبذله لأصحابه، وروينا عن عليّ عليه السلام لأن أجمع إخواني على صاع من طعام أحبّ إليّ من أن أعتق رقبة.
ورينا عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: إذا وضع الطعام وأقيمت الصلاة فابدؤوا بالعشاء قبل الصلاة، قال: فكان ابن عمر ربما سمع الإقامة وقراءة الإمام فلا يقوم من عشائه، وعن رسول اللّّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أفضل الطعام ما كثرت عليه الأيدي، وقال عليه السلام: فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على الطعام، وقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الوضوء قبل الطعام ينفي الفقر وبعده ينفي اللمم ويصحّ البصر يعني به غسل اليد، وقال أحمد بن حنبل: الأكل من الطيب قدمه الله عزّ وجلّ على العمل، فقال عزّ وجلّ:(كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا) المؤمنون: ٥١، وكان سهل يقول: من لم يحسن أدب الأكل لم يحسن أدب العمل، قال: والذي يتصنّع في الأكل هو الذي يتصنع في العمل، وقل مرة الذي يؤدي في الأكل هو الذي يؤدي في الصلاة، وكان بعض السلف يقول: إني لأحبّ أن يكون لي نية في كل شيء حتى في الأكل والنوم، وقد كان السلف الصالح يكون لأحدهم في الأكل نية صالحة كما يكون له في الجوع نية صالحة، والذي يأكل بغير نية الآخرة للعادة والشهوة والمتعة قد يجوع لغيره الآخرة للعادة والشهوة أيضًا والتزين للخلق، وهذا من دقيق آفات النفوس،