للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أعرفه فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إليك عني، من أراد أن ينظر إلى رجل من أهل النار فلينظر إلى هذا، لأنّ في الخبر أنّ الحمى حظ المؤمن من نار جهنم، وفي حديث أنس وعائشة: يا رسول الله، هل يكون مع الشهداء يوم القيامة غيرهم؟ فقال: نعم، من ذكر الموت في كل يوم عشرين مرة، وفي لفظ الحديث الآخر: الذي يذكر ذنوبه فتحزنه، وإن ترك التداوي وبرئ بغير دواء، كان هذا من قضاء اللّّه وقدره على وصف الإبطاء، وقد اختلف رأي الصحابة في مثل هذا المعنى، عام خرج عمر رضي اللّّه عنه إلى الشام، فلما بلغوا الجابية انتهي إليهم خبر الشام أنّ به وباءً عظيماً وموتاً ذريعاً، فوقف الناس وافترقوا فرقتين، فمنهم من قال: لا ندخل على الوباء نلقي بأيدينا إلى التهلكة فنكون سبباً لإهلاك أنفسنا، وقالت طائفة أخرى: بل ندخل ونتوكل على الله ولا نهرب من قدره، ولا نفر من الموت فنكون كمن قال اللّّه تعالى: (أَلََمْ تَرَ إلَى الذين خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ) البقرة: ٢٤٣، فرجع الجميع إلى عمر فسألوه عن رأيه، فوافق عمر الذين قالوا نرجع ولا ندخل على الوباء، فقال له آخرون: أنفر من قدر الله؟ فقال عمر: نعم، نفر إلى قدر الله، ثم ضرب لهم مثلاً فقال: أرأيتم لو كان لأحدكم غنم وله شعبتان، إحداهما مخصبة والأخرى مجدبة، أليس إن رعى الخصبة رعاها بقدر الله، وإن رعى المجدبة رعاها بقدر الله؟ فسكتوا، ثم دعا عمر بعبد الرحمن بن عوف يسأله عن رأيه فقيل: هو غائب، قد تأخر في المنزل الذي نزلنا فيه، فثبت عمر وأصحابه على ذلك الرأي، وعلى أن يسأل عبد الرحمن عن رأيه فيه، فلما أصبحوا جاء عبد الرحمن بن عوف فسأله عمر عن ذلك، فقال: عندي فيه يا أمير المؤمنين، شيء سمعته من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال عمر رضي الله عنه: الله أكبر يقول: إذا سمعتم بالوباء في أرض فلا تقدموا عليه، وإذا وقع في أرض وأنتم بها فلا تخرجوا فراراً منه، ففرح عمر بذلك إذ وافق رأيه فرجع بالناس من الجابية.

[بيان آخر من التمثيل في التداوي وتركه]

ومثل التداوي وتركه في أنهما مباحان، وأنّ أحدهما طريق الأقوياء الصابرين وهو تركه، مثل التكسب وتركه أنّ التكسب عند الجوع الذي هو علّة الجسم ليستعجل العبد الدواء بالخبز جائز له، لا يقدح في توكله لأنه مباح له مأمور به، فإن نوي بالتكسب القوّة على الطاعة والسعي في سبيل الله والمعاونة على البرّ والتقوى، كان فاضلاً فيه، وإن نوى

<<  <  ج: ص:  >  >>