ذكر الله عزّ وجلّ عباده المؤمنين نعمته عليهم في الدين، إذ ألف بين قلوبهم بعد أن كانوا متفرقين، فأصبحوا بنعمته إخواناً بالألفة متفقين، وعلى البرّ والتقوى مضطجعين، ثم ضم التذكرة بالنعمة عليهم إلى تقواه، وأمر بالاعتصام بحبله وهداه، ونهى عن التفرق إذ جمعتهم الدار، وقرن ذلك بالمنة منه عليهم، إذا أنقذهم من شفا حفرة النار، وقد جعل ذلك كله من آياته الدالة عليه سبحانه وتعالى وسيله الواصلة بالهداية إليه، فقال في جمل ما شرحناه:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ) آل عمران: ١٠٢ (ولا تفرقوا)(ولعلكم تهتدون) آل عمران١٠٣ وقد كانت المؤاخاة في الله تعالى والصحبة لأجله والمحبة له في الحضر والسفر طرائق للعاملين، في كل طريق فريق، لما في ذلك من الفضل، ولما جاء فيه من الأمر والندب، إذ كان الحبّ في الله عزّ وجلّ من أوثق عرى الإيمان، وكانت الألفة والصحبة لأجله والمحبة والتزاور من أحسن أسباب المتّقين، وقد كثرت الأخبار في تفضيل ذلك والحث عليه، وليس قصدنا الجمع لما روي لميلنا إلى الإيجاز في كل فن، ولكن نذكر الأفعال المستحسنة وما تعلّق بها مما لا بد منه، على أنّ رأي التابعين قد اختلف في التعريف، فمنهم من كان يقول أقلل من المعارف، فإنه أسلم لدينك وأقل غدا لفضيحتك، وأخف لسقوط الحقوق عنك، لأنه يقال: كلما كثرت المعارف كثرت الحقوق، وكلما طالت الصحبة توكدت المراعاة، وقال بعضهم: هل رأيت شرّاً إلا ممن تعرف، فكلما نقص من هذا فهو خير، وقال بعضهم: أنكر من تعرف ولا تتعرف إلى من لا تعرف، وممن مال إلى هذا الرأي: سفيان الثوري وإبراهيم بن أدهم، وداود الطائي والفضيل بن عياض، وسليمان الخواص ويوسف بن أسباط، وحذيفة المرعشي وبشر الحافي، وقال أكثر التابعين باستحباب كثرة الإخوان في الله عزّ وجلّ، بالتأليف والتحبب إلى المؤمنين، لأن ذلك زين في الرخاء، وعون في الشدائد، وتعاون على البرّ والتقوى، وألفة في الدين، وقال بعضهم: استكثر