وروينا عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من همّ بحسنة ولم يعملها كتبت له حسنة، ومن همّ بسيّئة ولم يعملها كتبت له حسنة، وقد جاء في الخبر المشهور نية المرء خير من عمله.
[تفسير قوله نية المرء خير من عمله]
فيه عشرة أوجه؛ قيل: إنّ النية سرّ وأعمال السرّ تضاعف، وقيل: لأنها غيب لا يطلع عليها غير الله تعالى، والظواهر مشتركة، وأيضاً فإن الله عزّ وجل يهبها للعبد خالصة لا يشوبها شيء إذا وهبها، ولا يدخل عليها الآفات؛ فهذا عطاء مهيأ وسائر الأعمال مدخر له، وأيضاً لأنها من شرط العمل حتى لا يصحّ عمل إلاّ بها وهي تصحّ بمجردها، وكان عبد الرحيم بن يحىى الأسود يقول: معنى قوله نية المرء خير من عمله يعني إخلاصه في العمل خير من العمل، قال: فالإخلاص بغير عمل خير من عمل غير مخلص والنية عنده: هو الإخلاص نفسه، وعند غيره: هو الصدق في الحال باستواء السريرة والعلانية، وقد قال الجنيد رحمه الله تعالى في الفرق بين الإخلاص والصدق معنى لطيفًا لم يفسره ويحتاج إلى تفسير، حدثنا بعض الأشياخ عنه قال: شهد جماعة على رجل بشهادة فلم تضرّه وكانوا مخلصين، ولو كانوا صادقين لعوقب؛ يعني أنّ صدقهم أن لا يعملوا عمله أومثل عمله الذي شهدوا به عليه؛ فهذا صدق الحال، وهو حقيقة النية وإخلاصها عند المحققين، وقد قيل في معنى قوله: نية المرء خير من عمله لأن نية المؤمن دائمة متصلة، والأعمال منقطعة، وبالنية خلد أهل التوحيد في الجنة، وخلد أهل الشرك في النار لدوام نياتهم على التوحيد ودوام نيات الآخرين على الشرك مدة الدهر؛ فهذه المعاني كلها على هذا الوجه الذي يقول فيه: إنّ معناه أنّ النية خير من العمل، وفيه وجه آخر يكون الكلام فيه على التقديم والتأخير أي نية المؤمن هي من عمله خير، كأنه قال: هي بعض أعماله الخير، فهذا كقوله تعالى:(مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا) البقرة: ١٦٠، معناه نأتِ منها بخير، وكما قال:(يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حفي عَنْها) الأعراف: ٧٨١، معناه: يسألونك عنها كأنك حفي بهم، فآخر قوله عنها ومعناه التقديم فيكون هذا على التأويل أنّ النية من أعمال القلوب، وأنها من أعمال العبد خير كثير، وهذه الأقوال كلها صحيحة وهي موجودة في النية ففضلت النية العمل، لأن هذه المعاني من صفتها، وقال بعض التابعين: قلوب الأبرار تغلي بالبرّ وقلوب الفجّار تغلي بالفجور والله تعالى مطلع على نيّاتهم فيثيبهم بقدر ذلك فانظر ما همك وما نيتك.
وروينا عن الله سبحانه وتعالى في بعض الكتب أنه قال: ليس كل كلام الحكيم أتقبل، ولكني أنظر إلى همه وهواه، فمن كان همه وهواه لي جعلت صمته ذكرًا ونظره