عبرًا؛ وهذا داخل في عموم الخبرالذي رويناه عن نبيناصَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أنّ الله تعالى لا ينظر إلى أجسامكم ولا إلى أموالكم إنما ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم، وسئل سفيان الثوري: هل يؤاخذ العبد بالنية؟ قال: نعم إذا كانت عزماً أخذ بها، وفي الخبر: أنّ العبد ليعمل أعمالاً حسنة فتصعد بها الملائكة في صحف مختمة فتلقى بين يدي الله تعالى فيقول: ألقوا هذه الصحيفة فإنه لم يرد بذلك وجهي، ثم ينادي الملائكة: اكتبوا له كذا واكتبوا له كذا، فيقولون: ربنا إنه لم يعمل شيئًا من ذلك، فيقال إنه نواه، وفي حديث أبي كبشة الأنماري: الناس أربعة: رجل آتاه الله عزّ وجلّ ومالاً فهو يعمل بعلمه في ماله، فيقول رجل: لو آتاني الله تعالى ما آتاه لعملت كما يعمل؛ فهما في الخير سواء، ورجل آتاه الله مالاً ولم يؤته علمًا فهو يتخبط بجهله في ماله فيقول رجل: لو آتاني الله مثل ما آتاه عملت كما يعمل؛ فهما في الوزر سواء، ألا ترى كيف شركه بحسن النية في محاسن عمله وشرك الآخر بسوء النية بنيته في مساوئ عمله؟ وكذلك في حديث أنس بن مالك لما خرج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في غزوة تبوك قال: إنّ بالمدينة أقواماً، ما قطعنا وادياً ولا وطئنا موطئاً يغيظ الكفّار ولا أنفقنا نفقة ولا نصبنا نصبًا ولا أصابتنا مخمصة، إلا شركونا في ذلك وهم بالمدينة، قالوا: وكيف ذلك يارسول الله وليسوا معنا؟ قال: حبسهم العذر فشركونا بحسن النية.
وقال بعض السلف: صلاح الأعمال وفسادها بصلاح النيّات وفسادها، وكان مطرف يقول: صلاح عمل بصلاح قلب، وصلاح قلب بصلاح نية، ومن صفا صفي له، ومن خلط خلط عليه، وكذلك جاء في الخبر وهو أصل من أصول الدين قولهصَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنما الأعمال بالنيّات ولكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة يتزوج بها فهجرته إلى ما هاجر إليه فأخبر أنّ لا عمل إلاّ بالنيّة، ثم جعل لكل عبد نية ثم ردّ طالبي الدنيا والأزواج إلى نياتهم، وحكم عليهم بها، وجعلها نصيبهم من الله تعالى، وفّق ذلك لهم أو لم يوفقه، فبطلت هجرتهم بفساد نيّاتهم وصارت همتهم بدنياهم وهواهم سبب حرمان ثواب المخلصين لله بحسن نياتهم، وطلب آخرتهم؛ وكان ذلك في الآخرة حسرة عليهم في الدنيا وشيئًا لهم.
وفي حديث ابن مسعود: من هاجر يبتغي شيئًا فهو له فهاجر رجل فتزوّج امرأة منا فكان يسمى مهاجر أم قيس، وقال أبو داود: هذا الحديث ربع العلم، وذلك أنه قال: جمعت السنن الصحاح في حديث النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فكانت أربعة آلاف حديث، ثم قال: قد أمررتها على أربعة أحاديث؛ كل حديث ربع العلم، قال: وهذا الحديث أوّلها، وإنما قال ذلك لأنه فرض الفروض لا يتمّ فرض إلاّ به، وكذلك جاء في الخبر: أنّ رجلاً قتل في سبيل الله عزّ وجلّ فكان يدعى قتيل الحمار، وذلك أنه قاتل رجلاً ليأخذ سلبه وحماره فقتل على ذلك فأضيف إلى نيته، وفي حديث أبي عبادة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من غزا وهو لا