للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ينوي إلاّ عقالاً فله ما نوى، وقال: إني استعنت رجلاً يغزو معي، فقال: لا حتى تجعل لي جعلاً: فجعلت له فذكرت ذلك للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال له: ليس له من ديناه وآخرته إلا ما جعلت له.

وروينا في الإسرائيليات أنّ رجلاً مرّ بكثبان من رمل في مجاعة فقال في نفسه: لو كان لي هذا الرمل طعامًا لقسمته بين الناس، قال: فأوحى الله تعالى إلى نبيّهم أن قل له: إنّ الله تعالى قد قبل صدقتك وقد شكر حسن نيتك وأعطاك ثواب ما لو كان طعاماً فتصدقت به، وفي أخبار كثيرة: من همّ بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة، وفي حديث عبد الله بن عمر: من تكن الدنيا نيّته جعل الله فقره بين عينيه وفارقها أرغب مايكون فيها، ومن تكن الآخرة نيته جعل لله غناه في قلبه وجمع عليه ضيعته وفارقها أزهد ما يكون فيها، وحديث أم سلمة ذكر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جيشًا يخسف بهم في البيداء فقلت: يا رسول الله يكون فيهم المكره والأجير، فقال: يحشرون على نياتهم، وفي حديث عمر مثله: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: إنما يقتتل المقتتلون على النيّات، وفي حديث فضالة: من مات على مرتبة من المراتب بعث عليها، وكذلك قال في الخبر: إذا التقى الصفّات نزلت الملائكة تكتب الخلق على مراتبهم فلان يقاتل للدنيا، فلان يقاتل عصبية إلاّ فلانًا يقولون قتل فلان في سبيل الله فمن قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل اللّّه تعالى.

وعن جابر عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يبعث كل عبد على ما مات عليه، وفي حديث الأحنف بن قيس عن أبي بكرة: إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار قيل: يا رسول الله هذا القاتل فما بال المقتول؟ قال: لأنه أراد قتل صاحبه، والنية عند قوم الإخلاص بعينه، وعند آخرين الصدق، وعند الجملة أنها صحة العقد وحسن القصد، وهي عند الجماعة من أعمال القلوب مقدمة في الأعمال وأوّل كل عمل، وقد قال الله تعالى: (واذْكُروا الله ذِكْرًا كَثيرًا) الأحزاب: ٤١ قيل: في التفسير خالصاً فسمي الخالص كثيرًا، وهو ما خلصت فيه النية لوجه الله تعالى، ووصف ذكر المنافقين بالقلة فقال: (يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلاً) النساء: ١٤٢ يعني غير خالص، وسمّيت سورة: (قُلْ هُوْ الله ُ أحدْ) سورة الإخلاص لأنها خالصة في ذكر صفات الله تعالى وحده، لا يختلط بذكره جنة ولا نار ولا وعد ولا وعيد ولا أمر ولانهي وكذلك قيل سورة التوحيد إذ لا شريك فيها من سواه فأول سلطان العدو على القلب عند فساد النية فإذا تغيرت من العبد طمع فيه فيتسلط عليه وأوّل ارتداد العبد عن الاستقامة ضعف النية، فإذا ضعفت النية قويت النفس فتمكن الهوى، فإذا قويت النية صحّ العزم وضعفت صفات النفس، ولأنه ينتقل العبد من معصية إلى معصية دونها فيكون تاركًا للأولى بنية الترك لله تعالى كان أنفع له وأحمد عاقبة

<<  <  ج: ص:  >  >>