وأصلح لقلبه وأقرب إلى توبته من افتعال الطاعات مشوبة بالهوى وفساد النيّات، لأنه يكون حينئذ متقلبًا في المعاصي بفساد نيته، وخالط عملاً سيِئًا بسيء مثله، ودرأ بالسيّئة لسيّئة قبلها، وهذا بخلاف وصف الله تعالى من قوله:(خَلَطُوا عَملاً صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا) التوبة: ١٠٢ وقوله: (وَيَدْرَؤُونَ بِالحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ) الرعد: ٢٢، ومخالف لأمر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قوله: اتبع السيّئة الحسنة تمحها، وفي حديث أبي هريرة: من تزوج امرأة على صداق وهو لا ينوي أداءه فهو زان، ومن أدان ديناً وهو لا ينوي قضاءه فهو سارق، وفي حديث ابن مسعود ذكر عند رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشهداء فقال: إنّ أكثر شهداء أمتي لأصحاب الفرش، وربّ قتيل بين الصفين الله أعلم بنيته، وقال ثابت البناني: نية المؤمن أبلغ من عمله، إنّ المؤمن ينوي أن يصوم النهار ويقوم الليل ويخرج من ماله فلا تتابعه نفسه على ذلك فنيته أبلغ من عمله، وقد ضرب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مثل القلب بالملك والجوارح جنوده، قال: فإذا صلح القلب صلح الجسد، وإذا فسد فسد الجسد؛ معناه إذا صلحت للعبد نيته دامت للعبد استقامته، وإذا خلص وصفا من شوب الكدر والهوى خلصت الأعمال من الرياء وصفت من الشهوات والأهواء، وإذا فسدت نيته بحبّ الدنيا فسدت أعمال الجوارح بحبّ المدح والرياء.
وقد حدثونا في الإسرائيليات أنّ عابداً عبد الله تعالى دهرًا طويلاً فجاءه قوم فقالوا: إنّ ههنا قوماً يعبدون شجرة من دون الله تعالى، فغضب لذلك، فأخذ فأسه على عاتقه وقصد الشجرة ليقطعها، فاستقبله إبليس في صورة شيخ فقال: أين تريد رحمك الله؟ قال: أريد أن أقطع هذه الشجرة التي تعبد من دون الله، قال: وما أنت وذاك؟ تركت عبادتك والاشتغال بنفسك وتفرّغت لغير ذلك؟ فقال: إنّ هذا من عبادتي، فقال له: إني لا أتركك تقطعها، قال: فقاتله فأخذه العابد فطرحه إلى الأرض وقعد على صدره، فقال له إبليس: أطلقني حتى أكلمك، فقام عنه فقال له إبليس: يا هذا إنّ الله تعالى قد أسقط عنك هذا ولم يفرضه عليك، أنبيّ أنت؟ قال: لا، قال: فلا عليك ممن كان يعبدها، فلو اشتغلت بعبادتك وتركتها فإن لله تعالى في أرضه أنبياء لو شاء بعثهم إلى أهلها وأمرهم بقطعها فقال العابد: لا بدّ لي من قطعها، قال: فنابذه إبليس للقتال فغلبه العابد فأخذه وصرعه وقعد على صدره، فلما رأى إبليس أنه لا طاقة له به ولاسلطان له عليه قال: يا هذا هل لك في أمر فصل بيني وبينك وهو خير لك وأنفع من هذا الأمر الذي جئت تطلبه قال: وما هو؟ قال: قم عني أخبرك به، فأطلقه العابد فقال له إبليس: أنت رجل فقير لا شيء لك إنما أنت كل على الناس يعولونك، ولعلك تحبّ أن تفضل على إخوانك، وتواسي جيرانك، وتتسع في حالك وتستغني عن الناس، قال: نعم، قال: فارجع عن هذا الأمر الذي جئت فيه ولك عليّ أن أجعل عند رأسك في كل ليلة دينارين، فإذا أصبحت أخذتهما فصنعت بهما ما