للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شئت، وأنفقت على نفسك وعيالك وتصدقت على إخوانك، فيكون لك أفضل من ذلك وأنفع للمسلمين من قطع هذه الشجرة التي يغرس مكانه، ولا يضرّهم قطعها شيئًا ولا ينفع إخوانك المؤمنين قطعك لها، قال: فتفكر العابد فيما قال له وقال: صدق الشيخ، لست بني فيلزمني قطع هذه الشجرة ولا أمرني الله تعالى أن أقطعها فأكون قد عصيت بتركها، وإنما هو شيء تفضّلت به، وماذا يضرّالموحدين من بقائها وهذا الذي ذكره أكثرمنفعة لعموم الناس، قال: فعاهده على الوفاء بذلك وحلف له فرجع العابد إلى متعبده فبات ليلته فأصبح فإذا ديناران عند رأسه فأخذهما، ثم كذلك الغد، ثم أصبح اليوم الثالث فلم يرَ شيئًا، ثم أصبح بعد ذلك فلم يجد فغضب وأخذ فأسه على عاتقه وخرج يؤم الشجرة ليقطعها وقال: إن فاتني أمر الدنيا لا أتركنّ أمر الآخرة، قال: فاستقبله إبليس في صورة شيخ فقال: أين تريد؟ قال: أقطع تلك الشجرة، قال: كذبت والله ما أنت بقادر على ذلك ولا سبيل لك إليه ا، قال: فتناوله العابد ليأخذه كما فعل أول مرة فقال: هيهات قال: فأخذه إبليس فصرعه فإذا هو كالعصفور بين يديه، قال: وقعد إبليس على صدره وقال: لتنتهينَ عن هذا الأمر أو لأذبحنك، فنظر العابد فإذا لا طاقة له به، قال: يا هذا قد غلبتني فحلّ عني وأخبرني عنك كيف قد غلبتك أول مرة فصرعتك والآن غلبتني فصرعتني؟ فكيف ذلك؟ قال له إبليس: لأنك أول مرة غضبت لله تعالى وكانت نيتك الآخرة فسخرني الله لك فغلبتني، وهذه المرة جئت مغاضباً لنفسك وكانت نيتك الدنيا فسلطني الله تعالى عليك فصرعتك، وهكذا حدثونا في قصة تطول أنّ ملكة من بني إسرائيل راودت عابدًا عن نفسه فقال: اجعلوا لي ماء في الخلاء أتنظف، قال، ثم صعد على موضع في القصر فرمى بنفسه فأوحى الله عزّ وجلّ إلى ملك الهوى: الزم عبدي قال: فلزمه حتى وضعه بالأرض على قدميه رويدًا، فقيل لإبليس: ألا أغويته؟ فقال: ليس لي سلطان على من خالف هواه وبذل نفسه لله تعالى.

وفي حديث معاذ بن جبل أنّ العبد يوم القيامة ليسأل عن كل شيء حتى عن كحل عينيه وعن فتات الطينة بأصبعيه وعن لمسه ثوب أخيه، وروينا في خبر مقطوع من تطّيب لله تعالى جاء يوم القيامة وريحه أطيب من المسك، ومن تطّيب لغير الله تعالى جاء يوم القيامة وريحه أنتن من الجيفة، وليس الطيب من أكبر المأمور به ولا من الإثم المنهى عنه، وإنما لصاحبه منه نيته، فإن كان نيته اتباع سنّة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وإظهار النعمة لله تعالى، كان بذلك مطيعًا وكان له ثواب ما نواه، وإن تطيّب لغير ذلك كان به عاصياً لاتباعه هواه.

وعن بعض السلف الصالح قال: كتبت كتابًا وأردت أنّ أتربه في منزل جاري

<<  <  ج: ص:  >  >>