وللعلماء بالله سرّ لو أظهره الله تعالى لبطلت الأحكام، فقوام الإيمان واستقامة الشرع بكتم السرّ، به وقع التدبير وعليه انتظم الأمر والنهي، الله غالب على أمره، وفوق ذلك علم التوحيد والاسم منه وحداني، فالتوحيد وصفه وفوقه علم الإتحاد، فالوصف منه متحد وفوقهما علم الوحدانية، والاسم منه واحد، وفوق ذلك علم الأحدية والإسم منه أحد وهذه أسماء لها صفات، وأوصاف لها أنوار وأنوار عنها علوم، وعلوم له مشاهدات بعضها فوق بعض، فوق كل ذي علم عليم، ثم علم التوحيد أول هذه العلوم وعموم هذه المشاهدات، وظاهر هذه الأنوار وأقربها إلى الخلق، فالاسم منه موحد وههنا بان الخلق وظهر، فهذا توحيده الذي وحده به الموحدون من جميع خليقته، فعاد ذلك عليهم برحمته، والمشاهدات الأول توحيد الرب تعالى نفسه بنفسه لنفسه، قبل توحيد خلقه، فتوحيدهم إيّاه عن توحيده فيما كتبنا عنه، وأخفينا فيما أظهرناه، فهو محجوب في خزائن الغيوب عن البصائر والفهوم، قد جاوز علم الملكوت كله، فهو من ورائها في خزائن الجبروت، وإنما ذكرنا من ذلك قوت القلوب من علم التوحيد، وما لا بدّ للإيمان منه من المزيد، وقال عالمنا أبو محمد سهل رحمه الله تعالى: للعالم ثلاثة علوم؛ علم ظاهر يبذله لأهل الظاهر، وعلم باطن لا يسع إظهاره إلاّ لأهله، وعلم هو سرّ بين الله وبين العالم هو حقيقة إيمانه، لا يظهره لأهل الظاهر ولا لأهل الباطن، وقال بعض السلف قبله: ما من عالم يحدث قوماً بعلم لا تبلغه عقولهم إلا كان فتنة عليهم.
شرح ثاني ما بني الإسلام عليه من الخمس: وهو
الصلاة
وأول ذلك وصف الطهارة، أولها فرائض الاستنجاء وسننه، وفرائض الوضوء وسننه وفضائله، وفرائض الصلاة وسننها وأحكام المصلّي في وقت الصلاة وإدراكها، وما يتعلق بها وهيئات الصلاة وآداب المصلّي.
[ذكر فرائض الاستنجاء]
قال الله جلّ ثناؤه وصدقت أنباؤه:(فيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللهُ يُِحِبُّ الْمُطَّهِّرينَ) التوبة: ١٠٨ وقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا يقبل الله صلاة بغير طهور، وقال عليه الصلاة والسلام: الطهور نصف الإيمان، وقال: مفتاح الصلاة الطهور، فأول الطهارة الاستنجاء وفيه فرضان وأربع سنن: أحد الفرضين إزالة الحدث، والثاني طهارة المزيل، وهو أن لا يكون رجيع دابة ولا مستعملاً مرة، ولا عظم ميتة، ويكره له الاستنجاء بفحمة لأثر في ذلك، والسنن الأربع: وتر الاستجمار ثلاثاً أو خمساً أو سبعاً، والاستنجاء بالماء، ومباشرة الأذى بالشمال، ومسح اليد بالتراب، فأما كيفية الإستنجاء فأن يأخذ الحجر بشماله ويمره على مقدمته من مقدمها مسحاً إلى مؤخرها، ثم يرمي به، هناك ثم