للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التي جاءت بها السنن وشريعة الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مع نفي الشبه والماهية ونفي الجنس والكيفية، ثم سكون القلب وطمأنينة العقد إلى الإيمان بهذا، والتسليم له لأجل نور اليقين الموهوب لأن هذا إنما يشهد بنور اليقين وعلمه، لا بعلم العقل ونوره، لأن خالقاً لا يرى بمخلوق، فالعقل مرآة الدنيا بنوره يشهد ما فيها، والإيمان مرآة الآخرة وبه ينظر إليها فيؤمن بما فيها.

والله تعالى إنما يرى بنور اليقين، وفي هذا النور مشاهدة الصفات وهو حقيقة الإيمان، وأعز ما نزل من السماء وهو السكينة المنزلة في قلوب المؤمنين لمزيد الإيمان ولتعريف صفاته المؤمن معها بترك ضرب الأخبار بعضها ببعض، ومعارضة بعضها بعضاً أو ترتيب بعضها على بعض، بل يؤمن بكل خبر ورد في الصفات والقدرة على حدته، كما يسلم جميعها على الجملة بإسلامه وإلا أدّى ذلك إلى نفي بعضها أو إبطال جميعها، لأنّا أخذنا الإيمان بمنة اللّّه تعالى ورحمته من قبل التصديق واليقين والنقل، لا من قبل التقليد وحسن الظن والعقل، وأربعة أشياء تسلم ولا تعارض اعتراضاً: أخبار الصفات وأصول العبادات وفضائل الأصحاب وفضائل الأعمال، ولولا أنّ الله تعالى تولّى قلوب المؤمنين فحبب الإيمان إليها وزينه فيها، وكره الكفر وشأنه عندها، لتاهوا في الظلمات وغرقوا في بحار الهلكات لظهور الأغيار ومعاية الأسباب، ولغيب القدرة عن العيان، ولما ابتلوا به من الحجب والأعيان، ولكن اللّّه تعالى سلم وحبب الإيمان في القلوب، وزين وكره الكفر والعصيان وشين، وكذلك مدح المؤمنين بالغيب المستور، ومن ذلك سبق المقربون بمشاهدة النور فقال سبحانه وتعالى: (اللهُ وَلِيُّ الَّذينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ) البقرة: ٢٥٧، فلولا أنهم كانوا في ظلمة الطبع ما امتنّ عليهم من نور اليقين، وكذلك جاء الخبر أنّ الله تعالى خلق الخلق في ظلمة، ثم ألقى عليهم من نوره؛ فمن أصابه اهتدى ومن أخطأه ضلّ، وفي أحد المعاني من قوله تعالى: يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب قال: يمحو الأسباب من قلوب الموحدين ويثبت نفسه، ويمحو الوحدانية من قلوب الناظرين ويثبت الأسباب ولولا أنّ التوحيد لم يرسمه عارف قط في كتاب ولا كشفه علام في خطاب، لعجز علوم العموم عن درك شهادته، ولسبق إنكاره القول لضعفها عن حمل مكاشفته، لذكرنا من ذلك ما يبهر القول ويبهت ذوي المعقول، ولكنا كرهنا أن نبتدع ما لم نسبق إليه، أن نظهر ما يضطرب العقول بالحيرة فيه، خفنا من عدم النصيب مما نذكره، فيعود على السامعين من نفعنا ضرورة، وحقيقة علم التوحيد باطن المعرفة، وهو سبق المعروف إلى من به تعرف بصفة مخصوصة بحبيب مقرب مخصوص لا يسع معرفة ذلك الكافة، وإفشاء سرّ الربوبية كفر.

وقال بعض العارفين: من صرح بالتوحيد وأفشى الوحدانية فقتله، أفضل من إحياء غيره، وقال بعضهم: للربوبية سرّ لو ظهر لبطلت النبوّة وللنبوّة سرّ لو كشف بطل العلم،

<<  <  ج: ص:  >  >>