والدعاء والصلاة على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وفرق ذلك على ستين ألف ملك لأن كل صفّ من الملائكة عبادته ذكر من الأذكار الستة، فإذا رأت الأملاك ما جمع فيه من الأركان الستة والأذكار في ركعتين عجبت منه وباهاهم الله تعالى به، لأنه قد فرق تلك الأعمال والأركان على مائة ألف ملك؛ وبذلك فضّل المؤمن على الملائكة، وكذلك فضّل الموقن أيضاً في مقامات اليقين من أعمال القلوب على الأملاك بالتنقيل في المقامات بأن جمعت فيه ورفع منها، والملائكة لا ينقلون بل كل ملك موقوف في مقام معلوم لا ينقل عنه إلى غيره مثل: الشكر والخوف والرجاء والشوق والأنين والخشية والمحبة، بل كل ملك له مزيد وعلوّ من المقام الواحد على قدر قواه، وجمع ذلك كلّه في قلب الموقن.
قال الله تعالى، وهو أصدق القائلين في صفات أوليائه المؤمنين:(قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذينَ هُمْ في صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ وَالَّذينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ) المؤمنون: ١ - ٢ - ٣، فمدحهم بالصلاة كما ذكرهم بالإيمان، ثم مدح صلاتهم بالخشوع كما افتتح بالصلاة أوصافهم، ثم قال في آخرها:(وَالَّذينَ هُمْ عَلى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ) المؤمنون: ٩، فختم بها نعوتهم وقال في نعت عباده: المصلّين الذين استثناهم من الجزوعين من المصائب والفقر، المانعين للمال والخير، إلا المصلّين الذين هم على صلاتهم دائمون، ثم نسق النعوت وقال في آخرها: والذين هم على صلاتهم يحافظون، فلولا أنها أحبّ الأعمال إليه ما جعلها مفتاح صفات أحبائه وختامها، ولما وصفهم بالدوام والمحافظة عليها، ومدحهم بالخشوع فيها؛ والخشوع هو انكسار القلب وإخباته وتواضعه وذلته ثم لين الجانب وكفّ الجوارح وحسن سمت وإقبال، والمداومة والمواظبة عليها وسكون القلب والجوارح فيها؛ والمحافظة هي حضور القلب وإصغاؤه وصفاء الفهم وإفراده من مراعاة الأوقات وإكمال طهارة الأدوات، ثم قال تعالى في عاقبة المصلّين:(أُولئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ الَّذينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فيهَا خَالِدُونَ) المؤمنون: ١، - ١١، فجعل أول عطائهم الفلاح وهو الظفر والبقاء، وآخره الفردوس وهو خير المستقر والمأوى، وقال في أضدادهم: من أهل النار ما سلككم في سقر، قالوا: لم نكُ من المصلّين، وقال موبخاً لآخر منهم فلا صدق ولا صلّى، ونهى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن طاعة من نهاه عن الصلاة، ثم أمره بها وأخبره أنّ فيها القرب والزلفى في قوله تعالى:(أَرَأَيْتَ الَّذين يَنْهى عَبْداً إِذَا صَلَّى) العلق: ٩ - ١،، ثم قال:(كَلاّ لاَ تَطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ) العلق: ١٩، فالمصلّون بقية من خلقه وورثة جنته من عباده وأهل النجاة من دار غضبه إبعاده جعلنا الله منهم بعطفه ورحمته.
ذكر الحث على المحافظة على الصلاة وطريقة المصلّين من الموقنين
قال الله سبحانه وتعالى:(مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله وَالَّذينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً) الفتح: ٢٩ الآية، فاختار لنفسه أصحابه صلوات الله عليه ثم اختار لأصحابه