للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وصف من أوصاف القادر الأجل، فيكسر قلبه ويخبت تواضعاً وذلاً للعزيز الأعلى، وهذا مقام الخائفين من العابدين، ومنهم من إذا سجد جال قلبه في ملكوت السموات والأرض فآب بظرائف الفوائد وشهد غرائب الزوائد، وهذا مقام الصادقين من الطالبين، وهناك قسم رابع لا يذكر بشيء ليس له وصف فيستحق المدح، وهم الذين يجول همّهم في أعطية الملك وأنصبة المماليك، فهم محجوبون بالهمم الدنية عن الشهادة العلية مأسورون بالهوى عن السياحة إلى الإعلام، فإن دعا هذا المصلّي نظر إلى المدعوّ فكان هو المرجوّ فأخذ في التمجيد والثناء والحمد والآلاء، ونسي حاجته من الدنيا واشتغل عن نفسه بالمولى وعن مسألته بحسن الثناء، وإن استغفر هذا الداعي تفكّر في أوصاف التوبة وأحكام التائب وتفكّر في ما سلف من الذنوب فعمل في تصفية الاستغفار وإخلاص الإنابة والاعتذار، وجدّدَ عقد الاستقامة، فيكون له بهذا الاستغفار من الله عزّ وجلّ تحية وكرامة، ففي مثل صلاة هذا العبد وردت الأخبار أنّ العبد إذا قام إلى الصلاة رفع الحجاب بينه وبينه وواجهه بوجهه، وقامت الملائكة من لدن منكبيه إلى الهواء فيصلون بصلاته ويؤمنون على دعائه، وأنّ المصلّي لينثر عليه البرّ من عنان السماء إلى مفرق رأسه ويناديه منادٍ لو علم المناجي من يناجي ما انفتل، وأنّ أبواب السماء، للمصلّين، وأنّ الله تعالى يباهي ملائكته بصفوف المصلّين، وفي التوراة مكتوب: يا ابن آدم لا تعجز أن تقوم بين يديّ مصلّياً باكياً فأنا الله تعالى الذي اقتربت من قلبك وبالغيب رأيت نوري، قال: وكنا نرى أنّ تلك الرقة والبكاء وتلك الفتوح التي يجدها المصلّي في قلبه من دنوّ الرب تبارك وتعالى من القلب، وقال رجل للنبيصَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ادع الله تعالى أن يرزقني مرافقتك في الجنة، فقال: أعني بكثرة السجود.

وروينا عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما افترض الله على خلقه بعد التوحيد أحبّ إليه من الصلاة، ولو كان شيء أحبّ إليه من الصلاة لتعبد به ملائكته؛ منهم راكع، وساجد، وقائم، وقاعد، أو كما قال بعض العلماء: الصلاة خدمة الله عزّ وجلّ في أرضه، وقال آخر: المصلون خدام الله عزّ وجلّ على بساطه، إنّ المصلين من الملائكة يسمون في السموات خدام الرحمن ويفخرون بذلك على سائر المرسلين من الملائكة، ويقال: إن المؤمن إذا صلّى ركعتين عجب منه عشر صفوف من الملائكة؛ كل صف منهم عشرة آلاف، وباهى الله تعالى به مائة ألف ملك؛ وذلك أنّ العبد قد جمع فيه أركان الصلاة الأربعة؛ من القيام والقعود والركوع والسجود، وفرق ذلك على أربعين ألف ملك، والقائمون لا يركعون إلى يوم القيامة، والساجدون لا يرفعون إلى يوم القيامة، وكذلك الراكعون والساجدون، ثم قد جمع الله له أركان الصلاة الستة؛ من التلاوة والحمد والاستغفار

<<  <  ج: ص:  >  >>