الحجاب صلاته، ويلتقم الشيطان قلبه، فلا يزال ينفخ فيه، وينفث ويوسوس إليه، ويزين له، حتى ينصرف من صلاته ولا يعقل ما كان فيه، وقد جاء في الخبر: لولا أنّ الشياطين يحومون حول قلوب بني آدم لنظروا إلى ملكوت السموات.
وروينا عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه رأى في القبلة نخامة، فغضب غضباً شديداً، ثم حكّها بعرجون كان في يده، وقال: ائتوني بعبير فلطخ أثرها بزعفران، ثم التفت إلينا فقال: أيكم يحب أن يبزق في وجهه؟ قلنا: لا أينا، قال: فإن أحدكم إذا دخل في صلاته فإن الله عزّ وجلّ بينه وبين القبلة، وفي لفظ آخر واجهه الله تعالى؛ فلا يبزقن أحدكم تلقاء وجهه، ولا عن يمينه، ولكن عن شماله، أو تحت قدمه اليسرى، فإن بدرته بادرة فليبصق في ثوبه وليقل به هكذا، وذلك بعضه ببعض، وقد روي: إذا قام العبد في صلاته فقال: الله أكبر، قال الله لملائكته: ارفعوا الحجاب بيني وبين عبدي، فإذا التفت يقول اللّّه تعالى: عبدي إلى من تلتفت؟ أنا خير لك ممن تلتفت إليه، ثم إذا قام المقبل على صلاته شهد قلبه قيامه لرب العالمين، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، ثم شهد وقوفه بالحضرة بين يدي الملك الجبار، إذ ليس من الغافلين، فتأخذه غيبة الحضور، ويرهقه إجلال الحاضر، ويستولي عليه تعظيم القريب، وبجمعه خشية الرقيب، فإذا تلا وقف همّه مع المتكلم ماذا أراد، واشتغل قلبه بالفهم عنه والانبساط منه، فإن ركع وقف قلبه مع التعظيم للعظيم، فلا يكون في قلبه أعظم من الله تعالى وحده، فإن رفع شهد الحمد للمحمود، فوقف مع الشكر للودود، فاستوجب منه المزيد، وسكن قلبه بالرضا، لأنه حقيقة الحمد، وإن سجد سما قلبه في العلوّ فقرب من الأعلى بقوله تعالى:(وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ) العلق: ١٩.
وأهل المشاهدة في السجود على ثلاث مقامات؛ منهم من إذا سجد كوشف بالجبروت الأعلى فيعلو إلى القريب ويدنو من القريب، وهذا مقام المقربين من المحبوبين، ومنهم من إذا سجد كوشف بملكوت العزة، فيسجد على الثرى الأسفل عند