للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلا بعداً، كما قال: من لم يترك قول الزور والخيانة فليس لله تعالى حاجة أن يترك طعامه وشابه، فإنما المراد من الصلاة والصيام المخالفة من الآثام، ومن إقامة الصلاة وإتمامها الوضوء لها قبل دخول وقتها لئلا يشغله عن أول وقت غيرها، وينبغي أن يكون قلبه في همّه، وهمّه مع ربّه، وربّه في قلبه، فينظر إليه من كلامه، ويكلمه بخطابه، ويتملقه بمناجاته، ويعرفه من صفاته، فإن كل كلمة عن معنى اسم، أو وصف، أو خلق، أو حكم، أو إرادة، أو فعل؛ لأن الكلم ينبئ عن معاني الأوصاف، ويدل على الموصوف، وكل كلمة من الخطاب تتوجه عشر جهات للعارف، من كل جهة مقام ومشاهدات؛ أول الجهات الإيمان بها، والتسليم لها، والتوبة إليها، والصبر عليها، والرضا بها والخوف منها، والرجاء لها، والشكر عليها، والمحبة لها، والتوكل فيها، فهذه المقامات العشر هي مقامات اليقين، لأن الكلمة هي حق اليقين، وهذه المعاني كلها منطوية في كل كلمة يشهدها أهل التملّق والمناجاة، ويعرفها أهل العلم والحياة، لأن كلام المحبوب حياة القلوب، لا ينذر به إلا حيّ ولا يحيا به إلا مستجيب، قال الله تعالى: (إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبينٌ لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيّاً) يس: ٦٩ - ٧،، وقال سبحانه: (اسْتَجيبُوا لله وَلِلرَسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْييكُمْ) الأنفال: ٤٢، ولا يشهد هذه العشر مشاهدات إلا من نقل في العشر المقامات المذكورة في سورة الأحزاب؛ أولها مقام المسلمين، وآخرها مقام الذاكرين، وبعد مقام الذكر هذه المشاهدات العشر فعندها لا يملّ المناجاة لوجود المصافاة، ولا يثقل عليه القيام للذاذة والإفهام، ويسهل عليه الوقوف لدنوّ العطوف، ويتنعم بالعتاب بحلاوة الإقتراب، هنالك يندرج طول القيام في التلاوة فلا يجده كاندراج القبلة في الصلاة فلا يشهدها، فيكون من ورائه القبلة وهو أمامها، كذلك القيام يحمله وهو مع حامله.

حدثت أنّ الموقن إذا توضّأ للصلاة تباعدت عنه الشياطين في أقطار الأرضين خوفاً منه، لأنه يتأهب للدخول على الملك، فإذا كبر حجب عنه إبليس وضرب بينه وبينه سرادق لا ينظر إليه، وواجهه الجبار بوجهه، فإذا قال: الله أكبر أطلع الملك في قلبه، فإذا ليس في قلبه أكبر من الله تعالى فيقول: صدقت الله تعالى في قلبك، كما تقول: قال فيتشعشع من قلبه نور يلحق بملكوت العرش، فيكشف له بذلك النور ملكوت السموات والأرض، ويكتب له حشو ذلك النور حسنات، قال: وإنّ الغافل الجاهل إذا قام للوضوء احتوشته الشياطين، كما يحتوش الذباب على نقطة العسل، وإذا كبر أطلع الملك في قلبه، فإذا كل شيء في قلبه أكبر من الله تعالى عنده، فيقول له: كذبت ليس الله في قلبك كما تقول، قال: فيثور في قلبه دخان يلحق بعنان السماء فيكون حجاباً لقلبه، قال: فيرد ذلك

<<  <  ج: ص:  >  >>