معاني المناجاة، فإذا قال: الله أكبر أي مما سواه ولا يقال أكبر من صغير، إنما يقال أكبر من كبير، فيقال: هذا كبير وهذا أكبر، فإن كان همّه الملك الكبير كان ذكر الله أكبر في قلبه فليواطئ قلبه قول مولاه في قوله تعالى:(وَلَذِكْرُ الله أَكْبرُ) العنكبوت: ٤٥، ويواطئ لسانه قلبه في مشاهدة الأكبر فيكون يتلو وينظر، فإن الله تعالى قدّم العين على اللسان في قوله تعالى:(أَلَم نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ) البلد: ٨ - ٩.
فلا يقدّم لسانه ويؤخّر بصره ويكون عقده محقّقاً لمقاله بالوصف حتى يكون عاملاً بما يقول في الحال، فقد أخذ عليه ذلك لما أمر به حجة عليه وتنبيهاً له، ولا يكون بقوله: الله أكبر، حاكياً؛ ذلك عن قول غيره، ولا مخبراً به عن سواه، بل يكون هو المتحقق بالمعنى القائم بالشهادة، وهذا عند أهل المعرفة واجب لأن الإيمان قول وعمل في كل شيء، فإذا قلت: الله أكبر فإن العمل بالقول أن يكون الله أكبر في قلبك من كل شيء، وهو من رعاية العهد، لتدخل تحت الثناء والمدح في قوله تعالى:(وَالَّذينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ) المعارج: ٣٢، فالعهد ما أعطيت بلسانك، والرعاية والوفاء بالقلب ليستحق الأجر العظيم كما قال تعالى:(وَمَنْ أَوْفى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهِ الله فَسَيُؤْتيهِ أَجْراً عَظيماً) الفتح: ١،، ومن كان في قلبه الملك الصغير الفاني أكبر من الملك الأكبر فما عمل بقوله تعالى: الله أكبر، وليس هذا حقيقة الإيمان لأنه لم يأتِ بعمل وقول، وإنما جاء بالقول وهذا قائم بنفس من مشاهدته الآخرة، وكانت قرة عينه الآخرة، كما قال تعالى:(مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ) النحل: ٩٦، يعني الدنيا، (وَمَا عِنْدَ الله بَاقٍ) النحل: ٦٩، يعني الآخرة.
وقد قال: جعلت قرة عيني في الصلاة لأنه كان عند ربه فجعل قرة عينه به، وقد قال سبحانه وتعالى:(وَلِذَكْرُ الله أَكْبَرُ) العنكبوت: ٤٥، فالمذكور أكبر وأكبر، وقد أخبر تعالى أن الصلاة أريد بها الذكر في قوله تعالى:(وَأَقِم الصَّلاةَ لِذِكْري) طه: ١٤، وروي معنى ذلك عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنما فرضت الصلاة وأمرت بالحج والطواف وأشعرت المناسك لإقامة ذكر الله، فإذا لم يكن في قلبك للمذكور الذي هو المقصود والمبتغى عظمة ولا هيبة فما قيمة ذكرك؟ وقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لأنس بن مالك، وإذا صليت صلاة فصلِّ صلاة مودّع لنفسه، مودّع لهواه، مودّع لعمره، سائر إلى مولاه، كما قال:(يَا أَيُّها الإنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلى رَبِّكَ كَدْحاً) الإنشقاق: ٦، وكقوله تعالى:(وَاتَّقُوا الله وَاعْلَمُوا أنَّكُمْ مُلاقُوهُ) البقرة: ٢٢٣، وقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: جعلت قرّة عيني في الصلاة، وكان يرى الأكبر فتقرّ عينه به، وقال: من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد بها من الله