للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيهما بشيء من الدنيا غفر له ما تقدم من ذنبه، وقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنما الصلاة تمسكن، وتواضع، وتضرع وتباؤس، وتنادم، وترفع يديك وتقول: اللهم، فمن لم يفعل فهي خداج أي ناقصة، روينا عن الله سبحانه وتعالى في الكتب السالفة أنه قال: ليس كل مصلٍّ أتقبّل صلاته إنما أقبل صلاة من تواضع لعظمتي ولم يتكبر عليّ، وأطعم الفقير الجائع لوجهي، فمن الإقبال على الصلاة أن لا تعرف من على يمينك ولا من على شمالك من حسن القيام بين يدي القائم على كل نفس بما كسبت، وكذلك فسّروا قوله تعالى: (هُمْ فِي صَلاَتِهِمْ خَاشِعُونَ) المؤمنون: ٢، وقال سعيد بن جبير: ما عرفت من على يميني ولا على شمالي في الصلاة منذ أربعين سنة، منذ سمعت ابن عباس يقول: الخشوع في الصلاة أن لا يعرف المصلّي من على يمينه وعن شماله.

وروينا عن بشر بن الحرث قال: قال سفيان: من لم يخشع فسدت صلاته، وروينا عن معاذ بن جبل، من عرف من عن يمينه وشماله في الصلاة متعمّداً فلا صلاة له، وقد أسنده إسماعيل بن أبي زياد عن بشر بن الحرث وغيره وعن الثوري أيضاً: من قرأ كلمة مكتوبة في حائط أو بساط في صلاته فصلاته باطلة، وقال بشر يعني بذلك لأنه عمل في الصلاة، ومن الدوام في الصلاة السكون فيها، وعلى ذلك فسّر قوله تعالى: (الَّذينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ) المعارج: ٢٣، قيل: هو السكون والطمأنينة في الصلاة من قولك: ماء دائم إذا سكن، وقال بعض الصحابة: يحشر الناس يوم القيامة على مثال هيئاتهم في الصلاة، من الطمأنينة والهدوء، ومن وجود النعيم بها واللذة، ثم إصغاء القلب للفهم وخشوعه للتواضع، وسكون الجوارح للهيبة، ثم الترتيل في القراءة والتدبر لمعاني الكلام، وحسن الافتقار إلى المتكلم في الإفهام والإيقاف على المراد، وصدق الرغبة في الطلب للاطلاع على المطلع من السرّ المكنون المستودع في الكتاب، وإن مرّ بآية رحمة سأل ورغب، أو آية عذاب فزع واستعاذ، أو مرّ بتسبيح أو تعظيم حمد وسبّح وعظّم، فإن قال بلسانه فحسن وإن أسره في قلبه ورفع به همّه نابه قصده عن المقال، وكان فقره غاية السؤال، وهذا أحد الوجهين في قوله تعالى: (يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ) البقرة: ١٢١، هكذا كان وصفهم في التلاوة، وينبغي أن يكون قلبه بوصف على ركن من أركان الصلاة، وهمه معلّق بكل معنى من

<<  <  ج: ص:  >  >>