فأعتقت وليدة لي فرحاً مني به، فأثابني الله تعالى بذلك أن رفع عني العذاب في كل ليلة إثنين لذلك، وقال الله تعالى في تحقيق المحبة:(يُِحبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إلَيْهِمْ) الحشر: ٩، ثم قال تعالى:(وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ) الحشر: ٩، فمن محبة الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إيثار سننه على الرأي والمعقول، ونصرته بالمال والنفس والقول، وعلامة محبته اتباعه ظاهراً وباطناً، فمن اتباع ظاهره: أَداء الفرائض واجتناب المحارم والتخلق بأخلاقه والتأدب بشمائله وآدابه، والاقتفاء لآثاره والتجسس عن أخباره، والزهد في الدنيا والإعراض عن أبنائها ومجانبة أهل الغفلة والهوى، والترك للتكاثر والتفاخر من الدنيا والإقبال على أعمال الآخرة، والتقرب من أهلها والحب للفقراء، والتحبب إليهم، وتقريبهم وكثرة مجالستهم، واعتقاد تفضيلهم على أبناء الدنيا، ثم الحب في الله للبعيد المبغض، وهم العلماء والعباد والزهاد، والبغض في الله للقريب المحب، وهم الظلمة المبتدعة والفسقة المعلنة، ومن اتباع حاله في الباطن مقامات اليقين، ومشاهدات علوم الإيمان، مثل الخوف والرضا والشكر والحياء، والتسليم والتوكل والشوق والمحبة، وإفراغ القلب لله وإفراداً لهم بالله، ووجود الطمأنينة بذكر الله، فهذه معاملات الخصوص وبعض معاني باطن الرسول، وهو من أتباعه ظاهراً وباطناً، فمن تحقق بذلك فله من الآية نصيب موفور أعني قوله تعالى:(قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُوني يُحْبِبْكُمُ اللهُ) آل عمران: ٣١وقد كان سهل يقول: علامة المحبة، إتباع الرسول، وعلامة إتباع الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الزهد في الدنيا، وقال أيضاً في تفسير قوله:(وَمَنْ يُطِعِ اللهَ والرَّسُولَ فَأُولئكَ مَعَ الَّذينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ) النساء: ٦٩، قال: يطع الله في فرائضه، والرسول في الدخول في سننه، فإذا اجتنب العبد البدع، وتخلق بأخلاق الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقد اتبعه وقد أحب الله تعالى، وكان معه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غداً موافقاً في منزلته.
[ذكر فضائل شهادة التوحيد ووصف توحيد الموقنين]
قال الله تعالى:(شَهِِدَ اللهُ أَنَّهُ لاَ إِلهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلائكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ) آل عمران: ١٨، وقال سبحانه وتعالى:(وَالَّذينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ) المعارج: ٣٣، فشهادة الموقن بيقينه أنّ الله تعالى هو الأوّل في كل شيء، وأقرب من كل شيء، وهو المعطي المانع الهادي المضل، لا معطي ولا مانع ولا ضار ولا نافع إلا الله، كما لا إله إلا الله، وقرب الله منه ونظره إليه وقدرته عليه وحيطته به، فيسبق نظره وهمه إلى الله عزّ وجلّ قبل كل شيء، ويذكره في كل شيء ويخلو قلبه من كل شيء، ويرجع إليه في كل شيء، ويتأله إليه دون كل شيء، ويعلم أنّ الله عزّ وجلّ أقرب إلى القلب من وريده، وأقرب إلى الروح من حياته، وأقرب إلى البصر من نظره، وأقرب إلى اللسان من ريقه، بقرب هو وصفه لا