للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بتقريب ولا بتقرب، وأنّه تعالى على العرش في ذلك كله، وأنه رفيع الدرجات من الثرى وهو رفيع الدرجات من العرش، وأنّ قربه من الثرى ومن كل شيء، كقربه من العرش، وأنّ العرش غير ملامس له بحس ولا مفكر فيه بوجس، ولا ناظر إليه بعين ولا محيط به بدرك، لأنه تعالى محتجب بقدرته عن جميع بريته، ولا نصيب للعرض منه إلا كنصيب موقن عالم به، واجد بما أوجده منه من أنّ الله تعالى عليه، وأنّ العرش مطمئن به، وأنّ الله تعالى محيط بعرشه فوق كل شيء وفوق، تحت كل شيء، فهو فوق الفوق وفوق التحت، ولا يوصف بتحت فيكون له فوق، لأنه هو العلي الأعلى أين كان لا يخلو من علمه وقدرته مكان، ولا يحد بمكان ولا يفقد من مكان ولا يوجد بمكان، فالتحت للأسفل والفوق للأعلى، وهو سبحانه فوق كل فوق وفوق كل تحت في السمو، وهو فوق ملائكة الثرى، وهو فوق ملائكة العرش والأماكن للممكنات ومكانه، مشيئته ووجوده قدرته والعرش والثرى وما بينهما وحد للخلق الأسفل والأعلى، بمنزلة خردلة في قبضته، وهو أعلى من ذلك، ومحيط بجميع ذلك بحيطة هي صفته وسعة هي قدرته، وعلو هو عظمته بما لا يدركه العقل ولا يكيفه الوهم، ولا نهاية لعلوه ولا فوق لسموه ولا بعد في دنوه، ولا حس في وجوده ولا مس في شهوده، ولا إدراك لحضوره ولا حيطة لحيطته، وقد قال الله تعالى للكل: (يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ) النحل: ٥٠ وقال سبحانه: (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى) الأعلى: ١، وقال عزّ وجلّ: (أَلاَ إنَّهُ بِكُلِّ شيءِ مُحيطٌ) فصلت: ٥٤، وإنّ الله تعالى لا يحجبه شيء عن شيء، ولا يبعد عليه شيء، قريب من كل شيء بوصفه، وهو القدرة والدرك، والأشياء مبعدة بأوصافها، وهو البعد والحجب، فالبعد والأبعاد حكم مشيئته، والحدود والأقطار حجب بريته، والمسافة والتلقاء مكانة لسواه، والنواحي والجهات موضع للمحدثات، والنهار والليل مسكن للمصرفات، والبعد والفضاء مكان للمخلوقين والتوسعة والهواء محل للعالمين، والأحكام والأقدار واقعة على خلقه.

وهو سبحانه وتعالى قد جاوز المقدار والأحكام، وفات العقول والأوهام وسبق الأقدار، واحتجب بعزه عن الأفكار، لا يصوره الفكر ولا يملكه الوهم، حجب عن العقول تشج ذاته ولم تحكم العقول بدرك صفاته، إذ يس كمثله شيء فيعرف بالتمثيل، ولا له جنس فيقاس على التجنيس، وهو الله في السموات وفي الأرض، ثم استوى على العرش، وهو معكم أينما كنتم، غير متصل بالخلق ولا مفارق، وغير مماس لكون ولا متباعد، بل متفرد بنفسه متحد بوصفه لا يزدوج إلى شيء ولا يقترن به شيء، هو أقرب من كل شيء بقرب هو وصفه، هو محيط بكل شيء بحيطة هي نعته، وهو مع كل شيء وفوق كل شيء، وهو أمام كل شيء ووراء

<<  <  ج: ص:  >  >>