وأوصاف العلماء وذكر فضل علم المعرفة على سائر العلوم وكشف طرق العلماء من السلف الصالح وذكر بيان تفضيل علوم الصمت وطريق الورعين في العلم والفرق بين العلم الظاهر والباطن وبين علماء الدنيا والآخرة وفضل أهل المعرفة على علماء الظاهر وذكر علماء السوء الآكلين بعلومهم الدنيا ووصف العلم وطريق التعليم وذم ما أحدثه المتأخرون من القصص والكلام وباب ذكر ما أحدث الناس من القول والفعل فيما بينهم مما لم يكن عليه السلف وبيان فضل الإيمان واليقين على سائر العلوم والتحذير من الرأي.
وذكر معنى قول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طلب العلم فريضة على كل مسلم وفي الحديث الآخر اطلبوا العلم ولو بالصين فإن طلب العلم فريضة على كل مسلم، قال عالمنا أبو محمد سهل رحمه الله: أراد بذلك علم حال يعني علم حال العبد من مقامه الذي أقيم فيه بأن يعلم أحدكم حاله الذي بينه وبين الله عزّ وجلّ في دنياه وآخرته خاصة فيقوم بأحكام الله تعالى عليه في ذلك، وقال بعض العارفين معناه طلب علم المعرفة وقيام العبد بحكم ساعته وما يقتضي منه في كل ساعة من نهاره، وقال بعض علماء الشام إنما عنى به طلب علم الإخلاص ومعرفة آفات النفس ووساوسها ومعرفة مكايد العدو وخدعه وغروره وما يصلح الأعمال ويفسدها فريضة كله من حيث كان الإخلاص في الأعمال فريضة ومن حيث أعلم بعداوة إبليس ثم أمر بمعاداته وذهب إلى هذا القول عبد الرحيم ابن يحيى الأرموي ومن تابعه، وقال بعض البصريين في معناه: طلب علم القلوب ومعرفة الخواطر وتفصيلها فريضة لأنها رسل الله تعالى إلى العبد ووسواس العدوّ والنفس فيستجيب لله تعالى بتنفيذ ما منه إليه ومنها ابتلاء الله تعالى للعبد واختبار تقتضيه مجاهدة نفسه في نفيها ولأنها أول النية التي هي أول كل عمل وعنها تظهر الأفعال وعلى قدرها تضاعف الأعمال فيحتاج أن يفرق بين لمة الملك ولمة العدوّ وبين خاطر الروح ووسوسة النفس وبين علم اليقين وقوادح العقل ليميز بذلك الأحكام، وهذا عند هؤلاء فريضة وهو مذهب مالك بن دينار وفرقد السنجي وعبد الواحد بن زيد وأتباعهم من النساك وقد كان أستاذهم الحسن البصري يتكلم في ذلك وعنه حملوا علوم القلوب، وقال عباد أهل الشام معناه طلب علم