على الكافرين، إذ له أنّ يؤثر بعض عباده على بعض لأن الفضل بيده يؤتيه من يشاء، وهذا مفهوم من دليل الخطاب من قوله: لا تحملنا ما لا طاقة لنا به أن له تعالى أن يحمل الكافر ما لا طاقة له به عدلاً منه وحكمة، كما قال تعالى:(وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لاَ مُبَدلَ لِكَلِمَاتِهِ) الأنعام: ١١٥، قيل: صدقاً للمؤمنين وعدلاً على الكافرين، قال الله تعالى مخبراً عن إخوة يوسف:(تَالله لَقَدْ آثَرَكَ الله عَلَيْنَا) يوسف: ٩١ فهذا نص في الإيثار لبعض خلقه على بعض، ثم رأيت تصديق ما ذكرته عن ابن عباس رواها إسماعيل عن جويبر عن الضحاك عن ابن عباس في قوله تعالى:(وَالَّذينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّلِحَاتِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا) الأعراف: ٤٢، يعني إلاّ طاقتها من العمل لأن الله تعالى افترض على المؤمنين أعمالاً يطيقونها، ولم يفترض عليهم ما لا يطيقون، هذا نقل لفظ ابن مسعود في تخصيص المؤمنين، كما ذكرناه آنفاً، ويقول أيضاً في تفصيل هذه المسألة: للزائغين فيها تعلق ابتغاء التآويل أنّ الله تعالى كلّف العباد ما لا يطيقونه إلا به لافتقارهم إليه وعدم استغنائهم عنه في كل حركة وسكون، إذ لا مشيئة لهم دون مشيئته ولا استطاعة إلاّ بتوفيقه ولا حول ولا قوة إلاّ به، ألم تسمع إلى قوله تعالى في وصف الكافرين:(مَا كَانُوا يَسْتَطيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ) هود: ٢،، وقال تعالى في مثله:(وَكَانُوا لاَ يَسْتَطيعُونَ سَمْعاً) الكهف: ١، ١، وقال فيمن استطاع به إن أريد إلاّ الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلاّ بالله عليه توكلت.
وروينا عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من صلّى كما أمر غفر له ما تقدّم من ذنبه، وقد يروى في خبر: يقول الله تعالى: ليس كل مصلٍّ أتقبّل صلاته إنما أتقبّل صلاة من تواضع لعظمتي وخشع قلبه لجلالي، وكفّ شهواته عن محارمي، وقطع ليله ونهاره بذكري، ولم يصر على معصيتي، ولم يتكبّر على خلقي، ورحم الضعيف، وواسى الفقير من أجلي، على أن أجعل الجهالة له حلماً، والظلم له نوراً يدعوني فألبّيه، ويسألني فأعطيه، ويقسم عليّ فأبره، أكلؤه بقوّتي وأباهي به ملائكتي، لو قسم نوره عندي على أهل الأرض لوسعهم، مثله كمثل الفردوس لا يتسنّى ثمرها ولم يتغير حالها، وفي الخبر: كم من قائم حظه من قيامه السهر والتعب، ومن صلّى صلاة وراء إمام فلم يدر ماذا قرأ فهو نهاية السهو، فإنه تارك الأمر للاستماع فيخاف عليه مجانية الرحمة لأن الله تعالى ضمن الرحمة بشرطين: الاستماع والإنصات، وقال سبحانه في المعنيين:(وَإِذَا قُرِئَ القُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرَحَمُونَ) الأعراف: ٢٠٤ وقال تعالى: (فَلَمَّا حَضَرُوهُ قالُوا أَنْصِتُوا) الأحقاف: ٢٩، وروينا في خبر: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلّى صلاة فترك في قراءته، فلما انفتل قال: ماذا قرأت؟