من صلاته ما عقل منها، وقد ذكر هذا عبد الواحد بن زيد أنه إجماع، فروينا عنه أنه قال: أجمعت العلماء أنه ليس للعبد من صلاته إلاّ ما عقل، وقال الحسن: كل صلاة لا يحضرها قلبك فهي إلى العقوبة أسرع منها إلى الثواب، ويقال: إنّ أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، منهم الزبير وطلحة، كانوا أخفّ الناس صلاة، فسئلوا عن ذلك فقالوا: نبادر بها وسوسة العدوّ، وروينا أنّ عمر رضي الله تعالى عنه قال على المنبر: إنّ الرجل ليشيب عارضاه في الإسلام وما أكمل لله تعالى صلاة، قيل: وكيف ذاك: لا يتم خشوعها وتواضعها وإقباله على الله تعالى فيها؟ وقال الله جلّ ذكره:(وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ الله حَديثاً) النساء: ٨٧، (حَتّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ) النساء: ٤٣ وقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من تشعبت به الهموم لم يبال الله تعالى في أي أوديتها هلك، وسئل أبو العالية عن قوله تعالى:(الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاَتِهِمْ سَاهُونَ) الماعون: ٥، قال: هو الذي يسهو في صلاته فلا يدري على كم ينصرف، على شفع أم على وتر؟ سئل الحسن عن ذلك فقال: هو الذي يسهو عن وقت الصلاة حتى يخرج وقتها، وكان يقول: أما والله لو تركوها لكفروا، ولكن سهوا عن الوقت، وقال بعض السلف فيها: هو الذي إن صلاّها في أوّل الوقت أو في الجماعة لم يفرح وإن صلاّها بعد الوقت لم يحزن، وقيل: هو الذي لا يرى تعجيلها برّاً ولا تأخيرها إثماً ويقال: إنّ الصلوات الخمس يلفق بعضها إلى بعض حتى يتم بها للعبد صلاة واحدة، وقيل: من الناس من يصلّي خمسين صلاة فيكمل له بها خمس صلوات وإن الله تعالى ليستوفي من العبد ما أمره به كما فرضه عليه وإلاّ تممه من سائر أعماله النوافل لأنه ما فرض على العبد إلاّ ما يطيقه بعونه إذ لم يكلفه ما لا طاقة له به برحمته.
وروينا عن عيسى عليه السلام: يقول الله تعالى: بالفرائض نجا مني عبدي وبالنوافل تقرّب إليّ عبدي وقد جاء مثله عن نبينا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يقول الله: لا ينجو مني عبد إلاّ بأداء ما افترضته عليه، وفي الخبر المفسر: أوّل ما يحاسب به العبد الصلاة، فإن وجدت كاملة وإلا يقول الله تعالى: انظروا هل لعبدي نوافل؟ فنتمّ فرائضه من نوافله؟ ثم يعمل بسائر الفرائض، كذلك يوفي كل فرض من جنسه من النفل؛ فإذا كانت النوافل في السهو والتقصير كالفرائض أو لم يوجد نوافل فكيف يكون حاله في الحساب؟ وكان ابن عباس يفسر قوله تعالى كلا لما يقض ما أمره قال: يعني به الكافر، لأن عنده أنّ كل موضع في القرآن يذكر به الإنسان خاصة أنه يعني به الكافر، وقد قال الله تعالى:(لاَ يُكَلِّفُ الله نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا) البقرة: ٢٨٦ يعني طاقتها، وقال سبحانه وتعالى مخبراً عن المؤمنين:(وَلاَ تُحَمِّلْنا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ) البقرة: ٢٨٦، في التفسير قد فعلت؛ وفي هذه المسألة اختلاف وشبهة، والصواب من ذلك أنّ الله عزّ وجلّ لا يكلف المؤمنين خاصة ما لا طاقة لهم به، فهم مخصوصون بذلك فضلاً من الله تعالى ونعمة آثرهم بها