وكذلك روينا في تأويل قوله تعالى:(وَفي أَنْفُسِكُمُ أَفَلا تُبْصِرُونَ) الذاريات: ٢١ قيل: مواضع الغائط والبول، وقال سبحانه وتعالى:(وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا في الآخِرَة إلا مَتَاعٌ) الرعد: ٢٦ قال بعض أهل اللغة: متاع أي جيفة، سمعت عن الأصمعي، قال بعض العرب يقول متع اللحم إذا تغير وأنتن، وقد كان الحسن رحمه الله تعالى يقول لما هبط آدم عليه السلام إلى الدنيا كان أوّل شيء عمل فيها أنه أحدث.
وروينا عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: إنه نظر إلىما خرج منه فآذاه ريحه فاغتمّ لذلك فقال له جبريل: هذه رائحة خطيئتك فشهد العقلاء عن الله تعالى الدنيا في صورة كنيف فلم يدخلوا فيها إلا ضرورة فكلما استغنيت عن دخولك الكنيف كان أفضل وشهدها بعضهم جيفة فلم ينالوا منها إلا بلغة فكلما تقللت من الجيفة كان خيرًا، وقال وهب بن منبه: قرأت في بعض الكتب: يا بابن آدم إن تردني أترك الدنيا وإن ترد الدنيا طال عناك، وفي بعض كتب الله تعالى: يا ابن آدم أنا بدك اللازم فلا تؤثر على ما منه بد، وقال بعض المخبرين عن الله سبحانه وتعالى: إنه أوحى إلى الدنيا: اخدمي من خدمني واتعبي من خدمك، وقال آخر: وقد روينا مسندًا أن الله تعالى أوحى إلى الدنيا: تمرري لأوليائي حتى تكون رغبتهم فيما عندي واحلولي لأعدائي حتى يكرهوا لقائي، وفي حديث عائشة رضي الله عنها: من أحب ّ لقاء الله تعالى أحبّ الله لقاءه، ومن كره لقاء الله تعالى كره الله لقاءه؛ فهذه الآثار كلها، قاصمة لظهر زبناء الدنيا، مسخنة لعين محّبيها ووأضدادها من الأخبار الحسنى في فضل الزهد وشرف الفقر، رافعة لرؤوس الفقراء الصادقين، وقرّة عين الصالحين لله عزّ وجلّ الزاهدين؛ فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرهة أعين جزاء بما كانوا يعملون، وأصل الرغبة في الدنيا من ضعف اليقين لأن العبد لو قوي يقينه نظر بنوره إلى الآجل فغاب في نظره العاجل فزهد فيما غاب وأحبّ الحاضر فآثر ما هو أعود عليه وأبقى وأنفع له ولمولاه، أرضى وقدم ما يفنى وينقطع إلى ما يدوم ويتصل؛ وهذا هو صورة الزهد وشهادة الموقن وإن الحاضرلا يحبّ ما غاب وانتقل: ألم تر إلى وصفه عزّ وجلّ لإبراهيم وليكون من الموقنين قال: لا أحبّ الآفلين، والموقن مأمور باتباع ملّة إبراهيم بقوله تعالى:(مِلَّةَ أَبيكُمْ إبْراهيمَ) الحج: ٧٨ أي عليكم ملّة أبيكم إبراهيم واتبعوا ملّته وليس يشهد الوعد والوعيد الآجل بنور العقل إنما يشهد بنور اليقين على أنّا نقول: إن الأنوار أربعة والقلب موجه جهات أربعة إلى الملك والملكوت وإلى العزّ والجبروت؛ فبنور العقل يشهد الملك، وبنورالإيمان يشهد الملكوت وهو الآخرة، وبنور اليقين يشهد العزة وهي الصفات، وبنور المعرفة يشهد الجبروت وهو الوحدانية، والجبار تعالى فوق القلب محيط به يكاشفه بما شاء فيغلب عليه وجد ما أشهده، وضعف اليقين قد يدخل