للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإنه لا يدخله قصاص، ويقول اللَّه عزَّ جلّ يوم القيامة: هذا لي فلا يقتص منه أحد شيئاً، يقال: ما من عمل إلا وله جزاء معلوم إلا الصوم فإنه لا تعلم نفس ماجزاؤه ويكون أجره بغير حساب يفرغ له إفراغاً ويجازف مجازفة وهو أحد الوجوه في قوله عزّ وجلّ: (فَلا تَعْلَمْ نَفْسُ مَا أُخِفْيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أعْيُنٍ جَزاءً بِمَا كَانوا يَعْمَلْونَ) السجدة: ٧١، قيل: كان عملهم الصيام، وكذلك في تأويل قوله عزّ وجلّ: السائحون قيل هم الصائمون كأنهم ساحوا إلى ربهم عزّ وجلّ بجوعهم وعطشهم وتركوا قرّة أعين أبناء الدنيا من أكلهم وشربهم فآواهم مولاهم فيما أخفي لهم من قرّة أعين جزاء لعملهم، وقال تعالى: (إنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ) الزمر: ٠١، قيل: الصائمون والصبر اسم من أسماء الصوم فلما أخفي ذكره بالصوم في نفسه أخفى اللَّه عزّ وجلْ جزاءه إياه عن غير نفسه.

وفي الحديث: من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، فالصوم ذكر الله عزّ وجلّ وهو سرّ وليس أستحب للعبد أن يزيد على إفطار أربعة أيام نسقاً فإن ذلك يقسي القلب ويغيّر الحال ويولّد العادات ويفتق الشهوات ولأنه لم يؤمر ولم يندب إلى أن يوالي بين إفطار أكثر من أربعة أيام متوالية وهي النحر وأيام التشريق، ويستحب له أن يصوم يوماً ويفطر يوماً أو يصوم يومين ويفطر يومين وذلك صوم نصف الدهر وإن أحب فليصم يومين ويفطر يوماً وذلك صوم ثلثي الدهر فإن أحب فليصم يوماً ويفطر يومين وهذا صيام ثلث الدهر، هذه طريق الصائمين وفيها روايات حذفنا ذكر فضائلها للاختصار، فإن صام ثلاثاً من أول الشهر وثلاثاً من وسطه وثلاثاً من آخره فحسن، فإن صام الأثانين والأخمسة والجمع فذلك خير كبير وأقل من ذلك أن يصوم الأيام البيض وأول يوم من الشهر وآخر يوم منه، وأفضل الصيام ما كان في الأشهر الحرم وأفضل ذلك ماوقع في العشرين منها وهو المحرم وذو الحجة وبعد ذلك ما كان في شعبان فإن رسول اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يكثر الصيام فيه حتى يصله بشهر رمضان ولايدع أن يصوم من كل شهر ثلاثة أيام وليواظب على صوم الاثنين والخميس، وفي الخبر: أفضل الصيام بعد شهر رمضان وشهر اللَّه المحرم وصوم النصف الأول من شهر شعبان مستحب، وقد كانوا يفطرون النصف الأخير منه، وقد روينا خبر: إذا كان النصف من شعبان فلا صوم حتى يدخل رمضان وليفطر قبل رمضان أياماً فإن وصل شعبان برمضان فجائز، ولا يجوز أن يستقبل رمضان بيومين أو ثلاثة إلا أن يوافق ذلك يوم اثنين أو خميس قد كان يصومه، وقد كان بعض الصحابة يكره أن يصام رجب كله لئلا يضاهي به شهر رمضان وكانوا يستحبون أن يفطروا منه أياماً وقد كره قوم صيام الدهر كله وردت أخبار في كراهته وقد تأوّل ذلك بأنهم كانوا يصومون السنة كلها مع يوم العيد وأيام التشريق فوردت الكراهة لذلك، وإن كان يريد صلاح قلبه وانكسار نفسه واستقامة حاله في صوم الدهر فليصمه، فهو حينئذ كالواجب

<<  <  ج: ص:  >  >>