في سبيله وطلب رضاه عنه وما ندب عنده أمضاه وسارع في تنفيذه وإن كان لعاجل دنيا أو عارض هوى أو لهو وغفلة سرى بطبع البشرية ووصف الجبلية نفاه وسارع في نفيه ولم يمكن الخاطر من قلبه بالإصغاء إليه والمحادثة له فيولد فيه هماً ردياً يصعب عليه بعد حين طرحه وينتج منه فكراً دنيّاِ يعسر بعد وقت نفيه ويؤثر ذلك في قلبه أثراً يستبين له بعد حين فعله، معنى قولنا: إن كان الله تعالى أي خالصاً لأجله ومعنى قولنا به أي بمشاهدة قربه لا بمقارنة نفسه ووصفه وهواه ومعنى قولنا فيه أي في سبيله وطلب ماعنده لا لأجل عاجل حظه فإن اشتبه عليه الخاطر فلم ينكشف له ماورد به أمحمود هو الله عزّ وجلّ فيه رضاه وعلى العبد فيه سبق وتنفيذ أم مكروه وليس لله فيه محبة وللعبد في نفيه مزيد وقربة فيكون أشكال ذلك لأحد معان ثلاث؛ ضعف يقين عن نقص معرفة بالمبتلي، أو قلة علم عن جهل بغامض الحكم الباطل، أو لغلبة هوى كامن في النفس متولد من طبائع الحس، وقد قال بعض العلماء: ليس العالم الذي يعرف الخير من الشر هذا العاقل يعرفه ولكن العالم من يعرف خير الشرين يعني يفعله إذا اضطر إليه وعرف شر الخيرين يعني فاجتنبه لما يؤول إليه واعلم أن حكم الله فيما اشتبه من الأمور الإمساك والوقوف وأن لا يقدم العبد على ذلك بعقد ولا عزم إن كان من أعمال القلوب ولا يمضي ذلك بفعل ولا سعي إن كان من عمل الجوارح بل يقف ويوقف الأمر حتى يتبين له وهو صورة الورع لأن الورع هو الجبن والتأخر عن الإقدام على المشكلات وعن الهجوم في الشبهات لا بقول ولا بفعل ولا بعقد حتى تنكشف وانكشافها بغامض العلم لغموضها وتدقيق معرفة المعاني لدقتها وخفائها كما جاء في الخبر: أعلم الناس أعرفهم بالحق إذا اختلف الناس، وعن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن الله عزّ وجلّ يحب البصير الناقد عند ورود الشبهات والعقل الكامل عند هجوم الشهوات.
وجاء عن ابن مسعود في وصف كثرة الشبهات: أنتم اليوم في زمان خيركم فيه المسارع وسيأتي عليكم زمان يكون خيركم فيه المئبت كما وقف طائفة من الصحابة عن القتال مع أهل العراق وأهل الشام لما أشكل عليه الحال منهم سعد وابن عمر وأسامة ومحمد بن مسلمة وغيرهم، فمن لم يتوقف عند الشبهات وأقدم عليها كان متعباً لهواه معجباً برأيه وهذا من معنى الخبر الذي جاء في ذم من كان هذا وصفه، فإذا رأيت شحاً مطاعاً وهوي متبعاً وإعجاب كل ذي رأي برأيه فعليك بخاصة نفسك فلم يذم بوجود الشح لأنه صفة النفس وإنما ذم من أطاع النفس في شحّها بإمساك محبوبها على إيثار محبة الله عزّ وجلّ من الإنفاق ومثله وهوى متبع فلم يغب بوجود الهوى لأنه روح النفس مستكن فيها وإنما عيب باتباعه وكذلك قوله: وإعجاب كل ذي رأي برأيه لم ينقصه