والثاني كيف، والثالث لمن، فمعنى لِمَ أي لِمَ فعلت؟ وهذا موضع الابتلاء عن وصف الربوبية بحكم العبودية أي أكان عليك أن تعمل لمولاك أم كان ذلك منك بهواك فإن سلم من هذا الديوان بأن كان عليه أن يعمل كما أمر به سئل عن الديوان الثاني، فقيل له: كيف فعلت هذا؟ وهو مكان المطالبة بالعلم وهو البلاء الثاني أي قد عملته بأن كان عليك عمله فكيف عملته أبعلم أم بجهل؟ فإن الله تعالى لا يقبل عملاً إلا من طريقته وطريقة العلم، فإن سلم من هذا نشر عليه الديوان الثالث فقيل لمن؟ وهذا طريق التعبد بالإخلاص لوجه الربوبية وهو البلاء الثالث وهم بغية الله عزّ وجلّ من خلقه الذين قال في حقهم:(إلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ المُخْلَصينَ) الحجر: ٤٠ وهذا مقتضى كلمة الإخلاص من نفي ماسواه وهي لا إله إلا الله وليس بعده إلا الإشفاق إلى وقت التلاق أي قد عملته بعلم فلمن عملته لوجه الله عزّ وجلّ خالصاً فأجرك عليه أم لشخص مثلك فخذ أجرك منه أم عملته لتناول عاجل دنياك فقد وفينا إليك عملك فيها أم عملته لنفسك بسهولة وغفلتك فقد سقط أجرك وحبط عملك لذهابك عن القصد وعدم النية في الفعل فجميع ماأردت به سواه فقد تعرضت للمقت واستوجبت العقاب بترك ما عليك وجهل ما لمولاك إذ كنت عبداً لي تتولى غيري وإذا أنت تأكل رزقي وتعمل لسواي وإذا كان الدين قد جعلته لنفسي فقصدت به من دوني ويلك أما سمعتني أقول ألا لله الدين الخالص ويلك ما قبلت أمري إذ قلت وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقول له: ويلك أما سمعتني أقول إن الذين تعبدون من دون الله لا يملكون لكم رزقاً فابتغوا عند الله الرزق واعبدوه فهده أمثال القرآن يشهد منها العلماء أمثالهم وهي إذا كان الخطاب عند تدبره يفهم بها العارفون أذكارهم فيكون توبيخ الله عزّ وحلّ للغافلين بعزائم كلامه وغليظ خطابه أشد عليهم وأوجع لهم من أليم عقابه، وذلك أن الله تعالى استخلص الدين لنفسه ولم يشرك فيه أحداً من خلقه فقال:(ألاَ الله الدّين
الخَالِصُ) الزمر: ٣ يعني الطريق الموحد غير المشترك الصافي غير الكدر لأن الإخلاص التصفية من أكدار الهوى والشهوة وضده الشرك وهو الخلط بغيره من النفس والناس كما أنعم علينا بالرزق الخالص من بين الفرث والدم فتمت به النعمة فقال: (نُسْقيكُمْ مِمَّا في بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَناً خَالِصاً) النحل: ٦٦ فلو وجد فيه خلط من أحدهما لم تتم به النعمة علينا، فكذلك ينبغي أن يكون عملنا له خالصاً من الهوى والشهوة لنستحق به الأجر والحظوة منه مع القيام بواجب الحق علينا فكما أنّا لو رأينا في اللبن الذي أنعم به علينا فرثاً أو دماً عافته أنفسنا فلم نأكله فكذلك الحكيم الخبير إذا رأى في عملنا خلطاً من رياء أو شهوة رده علينا فلم يقبله وكما عمل لنا مما عملت يده بقدرته أنعاماً ذللها لنا منها