العلم، وروضة الحلم، وشرائع الحكم، فمن فهم فسر جمل العلم ومن علم عرف شرائع الحكم ومن حلم لم يفرط في أمره وعاش في الناس حميداً، وقال بعض المكاشفين ظهر لي الملك: فسألني أن أملي عليه شيئاً من ذكري الخفي من مشاهدتي من التوحيد وقال: ما نكتب لك عملاً ونحن نحب أن نصعد لك بعمل نتقرب به إلى الله تعالى فقلت: أليس يكتبان الفرائض؟ قال: بلى، قلت: فيكفيهما ذلك.
وقال بعض العارفين قال: سألت بعض الأبدال عن مسألة من مشاهدة اليقين فالتفت إلى شماله وقال: ما تقول رحمك اللَّه ثم التفت إلى يمينه فقال ماتقول رحمك اللَّه ثم أطرق إلى صدره وقال: ما تقول رحمك اللَّه ثم أجابني بأغرب جواب ماسمعته قط وأعلاه فقلت رأيتك التفتّ عن شمالك ويمينك ثم أقبلت على صدرك فماذا؟ فقال: سألتني عن مسألة لم يكن عندي فيها علم عتيد فالتفت إلى صاحب الشمال فسألته عنها وظننت أن عنده منها علماً فقال: لا أدري فسألت صاحب اليمين وهو أعلم منه فقال: لا أدري فنظرت إلى قلبي فسألته فحدثني بما أجبتك وإذا هو أعلم منها، وقد كان أبو يزيد وغيره يقولون: ليس العلم الذي يحفظ من كتاب اللَّه فإذا نسي ما حفظ صار جاهلاً إنما العلم الذي يأخذ علمه من ربه عزّ وجلّ أي وقت شاء بلا تحفظ ولا درس فهذا لعمري لا ينسى علمه وهو ذاكر أبداً لا يحتاج إلى كتاب وهو العالم الرباني وهذا هو وصف قلوب الأبدال من الموقنين ليسوا واقفين مع حفظ إنما هم قائمون بحافظ.
وقد روينا في الخبر: إن من أمتي محدثين ومكلمين وإن عمر منهم وقرأ ابن عباس: وما أرسلنامن قبلك من رسول ولا نبي ولامحدث يعني الصديقين وهذا كان طريق السلف من الصحابة وخيار التابيعن إذا سئلوا وفقوا وألهموا الصواب لقربهم من حسن التوقيق وسلوكهم حقيقة محجة الطريق فخاطر اليقين إذا ورد على قلب مؤمن اضطرته مشاهدته إلى القيام به وإن خفي على غيره وحكم عليه بيانه وبرهانه بصحة دليله وإن التبس على من سواه.
وقد قال اللَّه تعالى في تخصيص الموقنين:(قَدْ بَيَّنَّا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) البقرة: ١١٨ هذا بصائر للناس وهدى ورحمة لقوم يوقنون، وقال في نعت المتقين:(وَمَاَ خَلَقَ الله فِي السَّمَوَاتُ والأرْضِ لآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقْونَ) يونس: ٦ وقال تعالى: (هذَا بَيَانٌ للِنَّاسِ وَهُدًى وَموْعِظَةٌ لِلْمُتَّقينَ) آل عمران: ١٣٨ وقال في فضل العلماء: (بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذينَ أُوتُوا العِلْمَ) العنكبوت: ٤٩ وقال: (قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) الأنعام: ٩٧ فحقيقة العلم إنما هو من التقوى واليقين وهذا هوعلم المعرفة المخصوص به المقربون وهب لهم الآيات وخصهم بالبيان والدلالات بما استحفظوا من كتاب اللَّه وكانوا عليه شهداء، فهذه الخواطر تبدو في القلوب عن هذه الأواسط التي هي خزائن اللَّه تعالى من