والعجب فإن وعظ عنف وإن وعظ أنف فذلك في الدرك السابع من النار عليك بالصمت فيه تغلب الشيطان وإياك أن تضحك من غير عجب أو تمشي في غير أرب.
وقد روينا حديثاً يدل على أوصاف علماء الآخرة وفيه أصول ما يدعون الخلق إليه من مقامات الإيمان وأسباب الدين والإيقان، رويناه عن شقيق بن إبراهيم البلخي عن عباد بن كثير عن أبي الزبير عن جابر ذكره عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وواقفته أنا على جابر بن عبد الله قال: لا تجلسوا عند كل عالم إلا عالم يدعوكم من خمس إلى خمس من الشك إلى اليقين ومن الرياء إلى الإخلاص ومن الرغبة إلى الزهد ومن الكبر إلى التواضع ومن العداوة إلى النصيحة ومما يدلك أن علم اليقين والتقوى وعلم المعرفة والهدى هو العلم المذكور، المقصود عند السلف أن الصحابة والتابعين كانوا يشفقون من فقد ذلك ويخافون عدمه ويخبرون عن رفعه وقلته في آخر الزمان وإنما يعنون بذلك علم القلوب والمشاهدات الذي هو نتيجة التقوى وعلم المعرفة واليقين الذي هو من مزيد الإيمان وثمرة الهدى، فإذا فقد المتقون وقل الخائفون وعدم الزاهدون ذهبت هذه العلوم لأنها قائمة بهم موجودة عندهم هم أربابها والناطقون بها وهي أحوالهم وطرائقهم هم السالكون لها والقائمون بها فلأجل معرفة الصحابة والتابعين عزة ذلك كانوا يبكون على فقده، وقدوصف الله العلماء بالزهد في الدنيا والاستصغار لها وبعمل الصالحات والإيمان بها كما وصف أبناء الدنيا بالرغبة فيها والإستعظام لها قال تعالى في معنى ذلك:(فَخَرَجَ على قَوْمِهِ في زينتهِ قال الَّذين يُريدونَ الْحياة الدُّنْيا يا ليْتَ لنا مِثْل ما أُوتي قارُونُ إنَّهُ لذُو حظٍّ عَظيمٍ) القصص: ٧٩، (وقال الَّذين أوتُوا العِلْمَ وَيْلكُمْ ثوابُ الله خِيْرٌ لِمَنْ آمنَ وعمِلَ صالحِاً) ، ثم قال عزّ وجل:(ولا يُلَقَّاها إلا الصَّابِرون) القصص: ٨٠، أي لا يلقى هذه الحكمة إلا الصابرون عن زينة الدنيا التي خرج فيها قارون.
وروينا عن جندب بن عبد الله البجلي قال: كنا عند رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غلماناً حزاورة فيعلمنا الإيمان قبل القرآن ثم تعلمنا القرآن فازددنا إيماناً، وعن ابن مسعود قال: أنزل القرآن ليعمل به فاتخذتم دراسته عملاً وسيأتي قوم يثقفونه تثقيف الغناء ليسوا بخياركم، وفي لفظ آخر: يقيمونه إقامة القدح يتعجلونه ولا يتأجلونه، وروينا عن ابن عمر وغيره لقد عشنا برهة من دهرنا وإن أحدنا يؤتي الإيمان قبل القرآن وتنزل السورة فيتعلم حلالها وحرامها وآمرها وزاجرها وما ينبغي أن يتوقف عنده منها كما تتعلمون أنتم اليوم القرآن ولقد رأيت رجالاً يؤتي أحدهم القرآن قبل الإيمان فيقرأ ما بين فاتحته إلى خاتمته لا يدري ما آمره ولا زاجره وما ينبغي أن يقف عنده وينثره نثر الدقل، وفي الخبر الآخر بمعناه: كنا أصحاب رسول الله أوتينا الإيمان قبل القرآن وسيأتي بعدكم قوم يؤتون القرآن قبل الإيمان يقيمون حروفه ويضيعون حدوده ويقولون قرأنا، فمن أقرأ منا وعلمنا فمن أعلم منا فذلك حظهم منه، وفي لفظ آخر: