عشراً قبل أن يتكلم، فقد اشترط ترك الكلام في هذين الحديثين اللذين وردا فيهما، ثم أتى ببقية ورده في بيته أو في خلوته، وهو في ذلك مستقبل القبلة وهذا حينئذ أفضل له وأجمع لقلبه، ولا يقدم على التسبيح لله عزّ وجلّ والذكر له بعد صلاة الغداة، وقبل طلوع الشمس إلا أحد معنيين معاونة على برّ وتقوى فرض عليه أو ندب إليه ما يختص به لنفسه أو يعود نفعه على غيره، ويكون ذلك أيضاً ممّا يخاف فوته بفوت وقته، والمعنى الآخر يكون إلى تعلم علم أو استماعه ممّا يقرّبه إلى الله تعالى في دينه وآخرته ويزهده في الدنيا، والهويّ من العلماء بالله عزّ وجلّ الموثوق بعلمهم وهم علماء الآخرة أولو اليقين والهدى، الزاهدون في فضول الدنيا، ويكون في طريقه ذاكراً لله عزّ وجلّ أو متفكراً في أفكار العقلاء عن الله عزّ وجلّ فإن اتفق له هذان فالغدوّ إليهما أفضل من جلوسه في مصلاه لأنهما ذكر الله عزّ وجلّ وعمل له، وطريق إليه على وصف مخصوص مندوب إليه، قال الله عزّ وجلّ:(وَلاَ تَطْرُدِ الَّذينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بالغَداةَ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ) الأنعام: ٥٢، وقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من غدا من بيته في طلب العلم فهو في سبيل الله حتى يرجع.
وقال ابن مسعود: اغدُ عالماً أو متعلماً أو مستمعاً ولا تكن الرابع فتهلك والغدوّ والغداة تكون قبل طلوع الشمس، وفي الخبر من خرج من بيته في طلب العلم فهو في سبيل الله عزّ وجلّ حتى يرجع، ومن خرج من منزله يلتمس علماً وضعت له الملائكة أجنحتها رضا بما صنع، واستغفر له دواب الأرض وملائكة السماء وطير الهواء وحيتان الماء، وفي حديث أبي ذر الغفاري رحمه الله حضور مجلس علم أفضل من صلاة ألف ركعة وأفضل من شهود ألف جنازة ومن عيادة ألف مريض، قيل: ومن قراءة القرآن؟ فقال: وهل تنفع قراءة القرآن إلا بعلم، فإن لم يتفق له أحد هذه المعنيين فقعوده في مصلاه أو في مسجد جماعته أو في بيته أو في خلوته ذاكراً الله عزّ وجلّ بأنواع الأذكار أو متفكراً فيما فتح له بمشاهدة هذه الأفكار في مثل هذه الساعة أفضل له ممّا سواها، روينا عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لأن أقعد في مسجد أذكر الله عزّ وجلّ فيه من صلاة الغداة إلى طلوع الشمس أحب إليّ من أن أعتق أربع رقاب، وروينا أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا صلّى الغداة قعد في مصلاه حتى تطلع الشمس، وفي بعضها، ويصلي ركعتين، وقد ندب إلى ذلك في غير حديث، وجاء من فضل الجلوس بعد صلاة الصبح إلى طلوع الشمس وفي صلاة ركعتين بعد ذلك ما يجل وصفه، اختصرناه.
روينا عن الحسن أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يذكر من رحمة ربه أنه قال يا ابن آدم اذكرني من بعد صلاة الفجر ساعة وبعد صلاة العصر ساعة أكفك ما بينهما، فإذا ارتفعت الشمس وابيضت صلّى الضحى ثماني ركعات وهذا الوقت هو الذي ذكره الله عزّ وجلّ في قوله (يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِّي وَالإِشْرَاقِ) ص: ١٨ ثم ينظر، فإن علم مريضاً عاده، وإن حضرت جنازة شيعها، وإن كانت معونة على برّ وتقوى سعى فيها، وإن كانت حاجة لأخ من إخوانه