للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فضله وطريقه السلف فيه.

وحدثت عن إبليس لعنه الله أنه بث جنوده في وقت الصحابة فرجعوا إليه محسورين فقال: ما شأنكم؟ قالوا: ما رأينا مثل هؤلاء القوم ما نصيب منهم شيئاً قد أتعبونا فيقول: إنك لا تقدرون عليهم قد صحبوا نبيهم وشهدوا تنزيل ربهم ولكن سيأتي بعدهم قوم تنالون منهم حاجتكم، فلما جاء التابعون بث جنوده فيهم فرجعوا إليه منكسرين منكوسين، فقال: ما شأنكم، قالوا: ما رأينا أعجب من هؤلاء القوم نصيب منهم الشيء بعد الشيء من الخطايا فإذا كان من آخر النهار أخذوا في الاستغفار فتبدل سيئاتهم حسنات فقال: إنكم لن تنالوا من هؤلاء شيئاً لصحة توحيدهم واتباعهم سنّة نبيهم ولكن سيأتي بعد هؤلاء قوم تقرّ أعينكم بهم تلعبون بهم لعباً وتقودونهم بأزمة أهوائهم كيف شئتم إن استغفروا لم يغفر لهم ولا يتوبون فتبدل حسناتهم سيئات قال: فجاء قوم بعد القرن الأول فبعث فيهم الأهواء وزين لهم البدع فاستحلّوها واتخذوها ديناً لا يستغفرون منها ولا يتوبون إلى الله قال فتسلطت عليهم الأعداء وقادتهم أين شاؤوا، وقد قال ابن عباس رضي الله عنه: إن للضلالة حلاوة في قلوب أهلها.

وقد قال الله تعالى: (اتَّخذُوا ديَنَهُمْ لَعِباً وَلهْواً) الأنعام: ٧٠، وقال تعالى: (أفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلهِ فَرَآهُ حَسَناً) فاطر: ٨ كما قال تعالى: (أفمنْ كانَ على بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ) هود: ١٧ فالعلم رحمك الله هو الذي كان عليه السلف الصالح المقتفي آثارهم والخلف التابع المقتدي بهديهم وهم الصحابة أهل السكينة والرضا ثم التابعون لهم بإحسان من أهل الزهد والنهي والعالم هو الذي يدعو الناس إلى مثل حاله حتى يكونوا مثله فإذا نظروا إليه زهدوا في الدنيا لزهده فيها كما كان ذو النون رحمه الله يقول: جالس من يكلمك علمه لا من يكلمك لسانه، وقد قال الحسن رضي الله عنه قبله: عظ الناس بفعلك ولا تعظهم بقولك، وقال سهل رحمه الله: العلم يهتف بالعمل فإن أجابه وإلا ارتحل، وقد روينا معنى ذلك عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قيل له: أي جلسائنا خير فقال: من ذكركم بالله تعالى رؤيته وزاد في علمكم منطقه وذكركم بالآخرة عمله، فأمّا الذي يطلب دنياهم حتى يكون مثلهم فإذا رأوه اعتبطوا بحالهم فهذا شر منهم لأنه يدعو إلى نفسه لا إلى مولاه ولأنه طامع فيهم وهم زاهدون فيه، فالعلماء الذين هم ورثة الأنبياء هم الورعون في دين الله عزّ وجلّ، الزاهدون في فضول الدنيا الناطقون بعلم اليقين والقدرة لا علم الرأي والهوى، والصامتون عن الشبهات والآراء لا يختلف هذا إلى يوم القيامة عند العلماء الشهداء على الله تعالى برأي قائل ولا بقول مبطل جاهل.

كما روي عن عبد الله بن عمر وعن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: صلح أول هذه الأمة بالزهد واليقين ويهلك آخرها بالبخل والأمل، وقال يوسف بن أسباط: كتب إلى حذيفة المرعشي ما ظنك بمن قد بقي لا يجد أحداً يذكر الله تعالى معه إلا كان آثماً وكانت مذاكرته معصية وذلك

<<  <  ج: ص:  >  >>