التوحيد فذلك حسن الخاتمة أو يدركه ما سبق له من الشقوة فتخرج روحه على الشرك فهذا الذي قال الله عزّ وجلّ:(وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذين يَعْمَلُونَ السَيِّئاتِ حَتّى إذا حَضَر أحدَهُمُ الْمَوْتُ قال إنّي تُبْتُ الآن) النساء: ١٨، فهذا سوء الخاتمة نعوذ بالله منه وقيل: هذا هو المنافق ويقال: المدمن على المعاصي المصرّ عليها.
وقد قال الله تعالى:(إِنَّما التَّوْبَةُ على الله للَّذينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ منْ قَريبٍ) النساء: ١٧، قيل: قبل الموت وقبل ظهور آيات الآخرة وقبل الغرغرة أي تغرغر النفس في الحلقوم لأنه تعالى قد حكم أن التوبة بعد ظهور إعلام الآخرة لا تقبل، ومنه قوله عز وجلّ:(يَوْمَ يأْتي بعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنتْ مَنْ قَبْلُ) الأنعام: ١٥٨ يعني من قبل معاينة الآيات أو كسبت في إيمانها خيراً قيل: التوبة هي كسب الإيمان وأصول الخيرات وقيل: الأعمال الصالحة هي مزيد الإيمان وعلامة الإيقان وقد قيل: ثم يتوبون من قريب أي عن قريب عهد بالخطيئة لا يتمادى فيها ولا يتباعد عن التوبة وتوبته من قريب أن يعقب الذنب عملاً صالحاً ولا يردفه ذنباً آخر وأن يخرج من السيئة إلى الحسنة ولا يدخل في سيئة أخرى وقيل: أول من يسأل الرجعة من هذه الأمة من لم يكن أدى زكاة ماله أو لم ييكن حجّ بيت ربه فذلك تأويل قول الله تعالى: (فأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصالِحينَ) المنافقون: ١٠، وكان ابن عباس رضي الله عنه يقول: هذه الآية من أشد شيء على أهل التوحيد هذا لقوله تعالى في أوّلها: (يا أيُّها الَّذين آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أمْوالُكُم ولا أوْلادُكُمْ عنْ ذِكْرِ اللهِ) المنافقون: ٩، وقد قيل: لا يسأل عبد الرجعة عندا لموت وله عند الله عزّ وجلّ مثقال ذرة من خير.
وروينا بمعناه من كان له في الآخرة مثقال ذرة من خير لو أن له الدنيا بما فيها من أوّلها إلى أخرها لم يحب أن يعود إلى الدنيا، وقال بعض العارفين: إن لله تعالى إلى عبده سرّين يسرهما إليه يوجده ذلك بإلهام يلهمه، أحدهما إذا ولد وخرج من بطن أمه يقول له: عبدي قد أخرجتك إلى الدنيا طاهراً نظيفاً واستودعتك عمرك ائتمنتك عليه فانظر كيف تحفظ الأمانة وأنظر كيف تلقاني كما أخرجتك، وسرّ عند خروج روحه يقول: عبدي ماذا صنعت في أمانتي عندك هل حفظتها حتى تلقاني على العهد والرعاية فألقاك بالوفاء والجزاء أو أضعتها فألقاك بالمطالبة والعقاب؟، فهذا داخل في قوله عزّ وجّل:(والَّذينَ هُمْ لأمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ) المؤمنون: ٨، وفي قوله تعالى:(وأَوْفُوا بِعَهْدي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ) البقرة: ٤٠ عمر العبد أمانة عنده إن حفظه فقد أدى الأمانة وإن ضيّعه فقد خان الله، إن الله لا يحبّ الخائنين، وفي خبر ابن عباس رضي الله عنه من ضيع فرائض الله عزّ وجلّ خرج من أمانة الله وعند التوبة النصوح تكفير السيئات ودخول الجنات، وكان بعضهم يقول: قد علمت متى يغفر الله لي قيل: ومتى؟ قال: إذا تاب علي، وقال آخر: أنا من أن أحرم التوبة أخوف مني من أن أحرم المغفرة، وقال الله تعالى: (وَمَنْ أصْدقُ مِنَ الله