للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تعالى ولا يوفق للأصوب والأفضل، وقد كان الفضيل يقول: ما أنكرت من تغير الزمان وجفاء الإخوان فذنوبك أورثتك ذلك ويقال: نسيان القرآن بعد حفظه من أشد العقوبات والمنع من تلاوته وضيق الصدر بقراءته والاشتغال عنه بضده عقوبة الإصرار، وقال بعض صوفية أهل الشام: نظرت إلى غلام نصراني حسن الوجه فوقفت أنظر إليه فمر بي ابن الجلاء الدمشقي فأخذ بيدي فأستحييت منه فقلت: يا أبا عبد الله سبحان الله تعجبت من هذه الصورة الحسنة وهذه الصنعة المحكمة كيف خلقت للنار فغمز يدي وقال: لتجدّن عقوبته بعد حين قال: فعوقبت بعد ثلاثين سنة، وقال بعضهم: إني لأعرف عقوبة ذنبي في سوء خلق حماري، وقال آخر: أعرف العقوبة حتى في نار بيتي.

وحدثونا عن منصور الفقيه قال: رأيت أبا عبد الله السكري في النوم فقلت: ما فعل الله بك قال: أوقفني بين يديه في العرق حتى سقط لحم خدي قلت: ولم ذاك قال: نظرت إلى غلام مقبلاً ومدبراً والعقوبة موضوعها الشدة والمشقة، فعقوبة كل عبد من حيث يشتد عليه، فأهل الدنيا يعاقبون بحرمان رزق الدنيا من تعذر الإكساب وإتلاف الأموال وأهل الآخرة يعاقبون بحرمان رزق الآخرة من قلة التوفيق للأعمال الصالحات وتعذر فتوح العلوم الصادقة ذلك تقدير العزيز العليم، وكان أبو سليمان الداراني يقول: الاحتلام عقوبة: وقال: لا يفوت أحداً صلاة في جماعة إلا بذنب يحدثه فدقائق العقوبات على قدر ترافع الدرجات، وقد جاء في الأخبار ما أنكرتم من زمانكم فبما غيرتم من أعمالكم، وفي الخبر يقول الله عزّ وجلّ: إن أدنى ما أصنع بالعبد إذا آثر شهوته على طاعتي أن أحرمه لذيذ مناجاتي فهذه عقوبة أهل المعاملات ولو ظهر تغيّر القلب عند المعصية على وجه العاصي لا سودّ وجهه ولكن الله تعالى سلم بحلمه وستره فغطى ذلك في القلب مع تأثيره فيه وحجابه لصاحبه وقسوته عن الذكر وعن طلب الخير والبر والمسارعة إلى الخير وهو من أكير العقوبات ويقال: إن العبد إذا عصى أظلم قلبه ظلمة يثور على القلب منها دخان يشهده الإيمان فهو مكان حزن العبد الذي تسوءه سيئته ويكون ذلك الدخان حجاباً له عن العلم والبيان كما تحجب السحابة للشمس فلا ترى ويكون غلفاً يجده في نفسه للخلق فإذا تاب العبد وأصلح إنكشف الحجاب فيظهر الإيمان فيأمر بالعلم كما تبرز الشمس من تحت الحجاب.

ومن هذا قوله تعالى: (كَلاّ بَلْ رَانَ على قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ) المطففين: ١٤ قيل: هو الذنب على الذنب حتى يسود القلب ويصير الإيمان تحت الحجاب فلا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً وعندها ينكس أعلاه أسفله إذا استكمل سواده، فحينئذ مرد على النفاق فأملس فيه واطمأن به وثبت إلى أن ينظر الله تعالى إليه فيعطف بفضله عليه، وقد كان الحسن

<<  <  ج: ص:  >  >>